محيط ـ هبة عسكر
في شكل جديد من الاختراق الصهيوني لمصر، طفت علي السطح مؤخرا بعض القضايا التي تحاول إقحام اليهود في تاريخ مصر واستغلال ذلك كورقة ضغط علي مصر، من هذه القضايا مطالبات بعض يهود مصر بترميم مقابر عائلاتهم في الإسكندرية"، ورفض البعض الأخر قرار ضم مقابرهم للآثار المصرية، وعودة آخرون من خلال موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" للمطالبة بالتعويضات عن ممتلكاتهم المزعومة.
وكان أخر هذه القضايا قيام مجموعة من اليهود من ذوي الأصول المصرية بالتوجه بطلب للحكومة المصرية لترميم مقابر عائلاتهم في محافظة الإسكندرية، وأرسلت منظمة "مظلة يهود مصر" العالمية اليهودية رسالة للرئيس مبارك أبدت فيها اعتراضها واحتجاجها على اعتبار المعابد والممتلكات اليهودية جزءا من التراث المصري واصفة الأمر بسرقة في وضح النهار.
وكان الدكتور زاهي حواس ـ أمين عام المجلس الأعلى للآثار ـ قد أكد مؤخرا أن مصر تحافظ علي تراثها وآثارها التي تتضمن آثار مصرية ويهودية ومسيحية وإسلامية، وأن الآثار اليهودية تعد جزءا من أثارنا ، وليس من حقهم المطالبة بفصلها.
ملف التعويضات
ويثار بين فترة وأخري ملف التعويضات عن ممتلكات اليهود المصريين، التي تقدر منظمات يهودية قيمتها بنحو 5 مليارات دولار، وهي قيمة التعويضات في 3500 قضية مرفوعة على الحكومة المصرية في الولايات المتحدة ودول أوروبية.
وتدعم الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحملات اليهودية المطالبة بالتعويضات عبر برنامج الحريات الدينية التابع للخارجية الأمريكية، إذ سبق لوفد من "لجنة الحريات الدينية الأمريكية" أنْ وضع على أجندة مطالبه من مصر قضية "ممتلكات اليهود المصريين"، وسلم الوفد الحكومة المصرية ملفا عن أملاك اليهود في مصر وأماكنها.
وتزايدت أعداد المجموعات التي تناقش هذه القضية على موقع "الفيس بوك" الاجتماعي وترد على مجموعة يهودية جديدة أنشئت تحت اسم "يهود مصر" Jews of Egypt، تطالب بحقوق اليهود المصريين.
وكان اليهودي المصري الدكتور عمر كامل الأستاذ المساعد بمعهد الدراسات اليهودية في جامعة لا يبزج الألمانية قد دشن مجموعة على الفيس بوك يحمل اسم "يهود مصر" جدد فيه المطالب القديمة باسترجاع ممتلكات اليهود في مصر قبل رحيلهم، بالرغم من حسم هذه القضية ونفي الحكومة أي ممتلكات لهم في مصر.
ويشير إلي أن الهدف من هذه المجموعة هو تعريف القارئ العربي والمصري بحقبة هامة من تاريخه وبمجموعة مصرية عاشت بأرض مصر، منها من حمل الجنسية المصرية ومنها من جاء من وسط الاضطهاد الأوربي إلى الشرق العربي الإسلامي.. واليوم وبعد أن تواضع عدد يهود مصر في القاهرة والإسكندرية إلى عشرات واقترب يهود مصر من الاندثار، نتوجه بصفحتنا هذه إلى قارئ اللغة العربية لنعرفه بيهود مصر تعريفا يقوم على المعرفة وبعيد عن الإيديولوجيات".
ويضيف مؤسس المجموعة: "إن قيام إسرائيل قد ساعد على الرؤية السلبية لليهود السائدة في عالمنا العربي ومصر خاصة، ونحن وإن كنا نأخذ بعين الاعتبار الصراع العربي الإسرائيلي إلا أن هذا لن يكون عائقا من تعريف الزائر بتراث يهودي مصري نعمل من خلال صفحتنا على إحيائه وحفظه وإظهاره كتراث مصري وكنسيج من الجسد المصري الواحد، نرحب بمشاركتكم الإيجابية واستفساراتكم بعيدا عن المزايدات السياسية، وأملنا في سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط".
تحقيق تليفزيوني
وتحت عنوان "مصريون في الظل" أعدت إيريني معوض المعدة بقناة OTV تحقيق تليفزيوني أثار جدلاً كبيراً فهو يبحث عن الجالية اليهودية بمصر، ويستكشف الأحداث السياسية والاجتماعية التي كان لها تأثير مباشر على اليهود المصريين، والتي انتهت بهجرة معظمهم من مصر.
[ابو حصيرة اشهر مزاعم اليهود]
ابو حصيرة اشهر مزاعم اليهود
وأشارت إيريني في تحقيقها الذي كان كمشروع تخرج لتدريب المركز الدولي للصحفيين ICFJ في الصحافة الاستقصائية، إلى الظروف الصعبة التي تعرض لها أبناء الجالية اليهودية في مصر لأسباب لا دخل لها بها، والتي يأتي على رأسها الصراع العربي الإسرائيلي، والحروب التي خاضتها الدول العربية مع إسرائيل.
وسائل ضغط
وحول هذا الظهور من قبل اليهود ، يري الدكتور عماد جاد المتخصص في الشئون اليهودية أن خروج اليهود من مصر عقب ثورة 23 يوليو 1952 كان بمحض إرادتهم الكاملة، وأن الوثائق التاريخية تؤكد أن مصر لم ترغمهم على المغادرة بل هم الذين فضلوا بيع ممتلكاتهم والهجرة بمحض إرادتهم".
واختار معظم اليهود المصريين في تلك الفترة الهجرة إلى إسرائيل وأوروبا بعد الحرب التي وقعت بين مصر من جهة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى أواخر عام 1956.
واعتبر الخبير في الشئون اليهودية أن التلويح بالتعويضات أو الآثار اليهودية يأتي دائما "لممارسة ضغوط على مصر ، وربط الدكتور جاد بين المطالبة بترميم الآثار ورغبة في عدم ضمها للآثار وبين موقف إسرائيل من ترشيح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو".
وأوضح جاد أن إسرائيل تثير دوما ملف هذه الممتلكات "عندما تجد نفسها في أزمة ما مع مصر، مثلما حدث عام 1998 عندما تفجرت قضية قتل إسرائيل للأسرى المصريين عام 1967، فأثارت إسرائيل وقتها قضية أملاك اليهود بالإسكندرية وخاصة أملاك ورثة جوزيف سموحة الذين كانوا يطالبون برد 37 فدانا في المنطقة المعروفة باسم سموحة بمحافظة الإسكندرية" الساحلية.
ليست جديدة
وعن قضية التعويضات ، يؤكد الدكتور محمد عبد السلام الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أن هذه المطالبات ليست جديدة حيث أن إسرائيل تولي الطائفة اليهودية في القاهرة أهمية خاصة وتعتبرها من أهم الطوائف اليهودية في العالم بعد الولايات المتحدة، رغم أن غالبية طائفة اليهود في القاهرة من النساء اليهوديات المتقدمات في السن.
ويشير إلي أن إسرائيل حاولت مرارا من قبل إثارة القضية أثناء مباحثات السلام التي أجرتها مصر معها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات "وكانت تساندها آنذاك جماعات ضغط ووسائل إعلام أمريكية" ، ومن أشهر القضايا التي رفعها اليهود في مصر في هذا الصدد قضية ورثة اليهودي الإنكليزي ألبرت ميتزجر عام 1978 لاسترداد فندق "سيسل" الشهير في الإسكندرية، والذي أنشي عام 1929 وصدر قرار جمهوري عام 1956 بتأميمه لـ"دواع أمنية" ، ونجحت جهود ورثة ميتزجر في استرداد الفندق بعد ضغوط سياسية وإعلامية تعرضت لها الحكومة المصرية، وبعد وعود بالترويج للسياحة في مصر حال استرداده.
ويوضح أن الكيان إسرائيل تحاول بأي وسيلة إثبات حقوق لها في كل شبر علي الكرة الأرضية ، وليس غريبا عليها واقرب مثال ما حدث في طابا .
آثار اليهود
بدوره ، يري عبد الحليم نور الدين الأمين السابق للمجلس الأعلى للآثار إن الخطر الصهيوني خطر شديد لن يتوقف ما دام لم يواجه بقوى تتصدى له بحق وليس صوريا، مؤكدا أن اليهود يريدون العيش في قلب العالم العربي فهو جزء من إستراتيجيتهم وخططهم.
ويضيف نور الدين أنه لا يوجد أي آثار تذكر لليهود في إلا قلة لا تذكر وتعتبر ضمن الآثار المصرية وليس لهم أي حق في الاعتراض علي ضمها أو المطالبة بأي ترميم لها.
ويؤكد نور الدين أن من أكبر وسائل اليهود الخارقة هي معايشة المجتمع المصري بما لديهم من قدرات خارقة على السيطرة لتحقيق هدفهم الأوحد، وهو رغبتهم في التوطن والتوسع من النيل إلى الفرات، مشيرًا إلى أن الصهاينة يتظاهرون بأنهم قوى بشرية ضخمة، ووسائلهم في الاختراق عديدة ومتجددة، وفي المقابل جهود التصدي لهذا الاختراق ضعيفة وليست بكافية بعد، وكلها جهود شعبية فردية.
تطبيع إجباري
[د زاهي حواس ]
د زاهي حواس
من جانبه ، يري الدكتور سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية أن كل هذه المحاولات تعتبر نوع من التطبيع الإجباري فهناك الكثير من الوسائل لهذا التطبيع منه الرغبة في إثبات مشاركتهم لنا في الجذور وحتى الآثار ، ومنها أيضا تيسير زواج المصريين من نساء الكيان الصهيوني والتخابر لحساب الكيان الصهيوني، وشكل آخر هو التطبيع الصهيوني الاقتصادي على مستوى رجال الأعمال واتفاقية الكويز خير دليل على ذلك ، بالإضافة إلى وجود التطبيع الثقافي تحت دعوى حوار الأديان.
ويضيف أن الكيان الصهيوني يعتبر أن أملاك اليهود في مصر المزعومة أداة ضغط علينا ولكن هذا لا أساس له من الصحة فأين هؤلاء اليهود ؟!.
عدد اليهود في مصر
ووفقا لإحصاءات نشرت قبل 3 أعوام، فإن من أصل 30 معبدا يهوديا في مصر كانت موجودة في الستينيات انخفض عدد المعابد الآن إلى 16 معبدا فقط.
ومن أصل 59 ألف يهودي مصري كانوا موجودين في مصر لم يعد موجودا الآن ـ على حد قول روبير نحمان سكرتير الطائفة اليهودية في مصر ـ سوى 213 يهوديا كلهم فوق سن السبعين تقريبا وليس بينهم شاب واحد، وهناك إحصاءات أخرى تقول إنهم الآن لا يتعدون الـ40 يهوديا.