( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (الأحزاب:46) ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء وبعد : فهذه وقفة روحية عند هذا الشهر الكريم : شهر ربيع الأول ، ففي هذا الشهر الكريم أشرقت على الدنيا أنوار النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : ففيه ولد ، وفيه هاجر ، وفيه ودع الدنيا لقد اصطفى الله تعالى محمدا لحمل الأمانة ، وتبليغ الرسالة الخاتمة ، وإنقاذ الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وإخراجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " (الحج:75) ولقد ظهرت آثار اصطفاء الله لنبيه في جوانب كثيرة منها: • طهارة نسبه : فكان من سلالة آباء كرام ليس فيهم ما يشينهم أو يعيبهم بل كانوا سادات قومهم في النسب والشرف والمكانة ، قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ).رواه مسلم • تعهّد الله له برعايته وحفظه من الصغر فقد أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه وشق عن قلبه وأخرجه وغسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم واستخرج منه علقة، وقال له : هذا حظ الشيطان منك. رواه مسلم. • عصمته : عصمته من تسلط أعدائه عليه بالقتل أو منعه من تبليغ رسالة ربه قال تعالى: "والله يعصمك من الناس.” وعصمته مما يقدح في رسالته ونبوته قال تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" • ومن أدلة فضله وشرفه أنه ساد الكل كما في حديث عبد الله بن سلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع، بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه ) رواه البخاري ومسلم. • أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وهو أول من يشفع في الخلائق يوم القيامة وهذه الشفاعة العظمى وهي المقام المحمود الذي اختص به نبينا قال تعالى: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " . • ومن فضله وشرفه أن معجزة كل نبي تصرّمت وانقضت ومعجزته وهي القرآن المبين باقية إلى يوم الدين. • ومنها أن الله تعالى وقره في ندائه، فقد نادى الله عز وجل الأنبياء بأسمائهم الأعلام فقال: " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " ، وقال: " يا نوح اهبط بسلام منا " وقال: " يا إبراهيم قد صـدقت الرؤيا " وقال: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " وما خاطب الله عز وجل نبينا إلا بقوله : " يا أيها النبي " أو بقوله: " يا أيها الرسول ." • جعله خاتم الأنبياء والمرسلين : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسولَ الله وخاتم النَّبيين " • كمّل الله له المحاسن خُلقا وخَلقا، فكان أكمل الناس خلقا من حيث جمال صورته وتناسب أعضائه وطيب ريحه وعرقه ونظافة جسمه واكتمال قواه البدنية والعقلية كما كان أكمل الناس خلقا إذ جمع محاسن الأخلاق وكريم الشمائل وجميل السجايا والطباع قال تعالى : " وإنك لعلى خلق عظيم " ، • ومن فضله وشرفه أن الله عز وجل أمر الأمة بتوقيره واحترامه، فأخبر عز وجل أن الأمم السابقة كانت تخاطب رسلهم بأسمائهم الأعلام كقولهم: " يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " وقولهم: " يا هود ما جئتنا ببينة " ، وقولهم: " يا صالح ائتنا بما تعدنا " ونهى الله عز وجل أمة النبي محمد أن ينادوه باسمه فقال عز وجل: " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " ، وعن ابن عباس في هذه الآية قال: (كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عن ذلك إعظاما لنبيه قال: فقالوا: يا نبي الله يا رسول الله). • ونهى الله عز وجل أمته أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته إعظاما له فقال عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " • ومن شرفه أنه بعث إلى الناس كافة وإلى الثقلين من الإنس والجن. • ومنها أنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة لا تنبغي لعبد من عباد الله وهي له . • ومنها نهر الكوثر الذي أعطاه الله إياه وهو نهر في الجنة ، روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما عن أنس قال: بينما رسول الله بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، قلنا: ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: لقد أنزلت علي آنفا سورة فقرأ: " إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر .”ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر))؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)). • ومن فضله أنه أحلت له الغنائم ففي الصحيحين عن جابر أن النبي قال: ((أعطيتُ خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)) متفق عليه • ومن فضله أن الله عز وجل وهبه سبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب وجوههم مثل القمر ليلة البدر، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وليس هذا لأحد غيره . • وهذه المآثر والفضائل التي وهبها الله لنبيه محمد كثيرة جدا نقتصر على ما ذكرنا خشية الإطالة.ومع هذا لو لم يكن له من نعمة الله وفضله عليه إلا أخلاقه العظيمة لكفته فخرا لأن المطالع في سيرته ومواقفه المتعددة يجد أن رسول الله قد حاز من كل خلق أرفعه وتسنّم ذرى الأخلاق حتى سما بها فكان كما وصفه الله بقوله: " وإنك لعلى خلق عظيم ".وكما قال حسان في مدحه وأحسن منك لم ترقطّ عيني وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء • لقد كان أكرم الناس خلقا، وأوسعهم صدرا وأصدقهم لهجة وأكرمهم عشيرة، وأوفاهم عهدا، وأوصلهم للرحم، قريبا من كل بر، بعيدا من كل إثم، لا يقول إلا حقا ولا يعد إلا صدقا، جوادا بماله، فما قال لأحد: لا. قط، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، شجاعا يتقي به أصحابه عند شدة البأس، صابرا محتسبا في جنب الله كل مكروه وأذى، يسبق حلمه غضبه ويعفو عند المقدرة، رحيم القلب، طيب النفس، آتاه الله الكمال في الخلق والخُلق، والقول و العمل، وجمّله بالسكينة والوقار وكساه حسن القبول، فاستمال القلوب وملك زمامها، فانقادت النفوس لموافقته، وثبتت القلوب على محبته وفدته النفوس بكل عزيز وغال. الخطبة الثانية أيها الأحبة: إن الكثير من الناس في هذه الأيام يدعون محبة الرسول ولكن هذا الإدعاء لا حقيقة له تعصي الإله وأنت تزعم حبَّـه لو كان حبـك صـادقــا لأطعــته ذاكم لعمري في القياس بديع إن المـحب لـمن يــحبّ مــطيع فمن علامات محبة رسول الله : • أولا: طاعته واتباعه: فالاتباع هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل وهو شرط صحة هذه المحبة وإذا كان الله قد جعل اتباع نبيه دليلا على حبه هو سبحانه فهو من باب أولى دليل على حب النبي ، قال تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " • الثاني: تعظيم النبي وتوقيره والأدب معه، وتعظيم النبي يكون بالقلب واللسان والجوارح.فالتعظيم بالقلب هو ما يستلزم اعتقاد كونه رسولا اصطفاه الله برسالته وخصه بنبوته وأعلى قدره، ورفع ذكره، وفضّله على سائر الخلق أجمعين كما يستلزم تقديم محبته على النفس والولد والناس أجمعين.وأما التعظيم باللسان فيكون بالثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به على نفسه أو أثنى عليه ربه من غير غلو ولا تقصير وأن يصلي عليه حين يذكر.وأما التعظيم بالجوارح فيشمل العمل بطاعته، وتجريد متابعته وموافقته في حب ما يحبه، وبغض ما يبغضه والسعي في إظهار دينه ونصرة شريعته والذب عنه وصون حرمته. • الثالث: كثرة تذكره وتمني رؤيته والشوق إلى لقائه وسؤال الله اللحاق به على الإيمان وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر رحمته وقد أخبر بأنه سيوجد في هذه الأمة من يودّ رؤيته بكل ما يملكون فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((من أشد أمتي لي حبا، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله)).فهذا بلال عندما احتضر قالت امرأته: واحزناه فقال: (بل وافرحتاه غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه) فمزج مرارة الموت بحلاوة الشوق إليه . • رابعا: ومن مظاهر محبته: محبة سنته والداعين إليها والمتمسكين بها وأهل العلم الذين لهم في هذا الدين قدم صدق وسبق وهم الدعاة العاملون الذين يجوبون البلاد طولا وعرضا يدعون إلى الله على بصيرة. • خامسا: محبة قرابته وآل بيته وأزواجه وأصحابه.ويتمثل هذا في توقيرهم ومعرفة فضلهم وحفظ حرمتهم ومكانتهم وبغض من أبغضهم أو آذاهم، وحبهم ومعرفة قدرهم والثناء عليهم بما هم أهله. • هذه علامات محبته أسأل الله عز وجل أن يجعلنا صادقين في ذلك، |