د.فاروق الباز: الدلتا ستغرق إذا ارتفع منسوب البحر المتوسط
هل تغرق الدلتا؟!
سؤال يطرح نفسه بين الحين والآخر.. ويثور الجدل بين العلماء.. خاصة مع كل حديث عن المتغيرات المناخية في العالم بشكل عام ومصر بصفة خاصة.. ومع كثرة التقارير الصادرة عن زيادة نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة علي مستوي العالم.
مجموعة من الحقائق العلمية رصدها تقرير »هل تغير المناخ في مصر خلال العشرين عاما الماضية« الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.. ومن بينها: ارتفع متوسط مستوي سطح البحر علي مستوي العالم من 10 إلي 20سنتيمترا منذ أواخر القرن التاسع عشر حتي نهاية القرن الماضي.. وقدرت السيناريوهات المستقبلية أنه بحلول عام 2100.. سوف يتراوح الارتفاع في مستوي سطح البحر من 18 إلي 59 سنتيمترا مما يهدد العديد من المناطق بالغرق وخاصة الأراضي المنخفضة والمدن الساحلية.
ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في مصر بحوالي 15 درجة مئوية عام 2050 وبحوالي 2.4 درجة مئوية عام 2100 طبقا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.. وقد ارتفعت درجات الحرارة العظمي والصغري ارتفاعا طفيفا في جميع المناطق في مصر خلال فصلي الشتاء والصيف في الفترة (1978 - 2007).. وهناك 109.5٪ زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر عام 2004 لتبلغ حوالي 158.2مليون طن متري مقارنة بحوالي 75.5 مليون طن متري عام 1990.
حيرة العلماء
< والجدل حول هذه القضية انتقل إلي العلماء وانقسموا إلي فريقين.. الأول يتبني »الغرق« لارتفاع مستوي سطح البحر بسبب ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في المناطق القطبية.. والثاني يؤكد عدم حدوث ذلك.
»الدكتور عمران فريحي.. الأستاذ بمعهد بحوث الشواطئ« يقول: إنه يوجد نوع من المزايدة والتهويل في طرح القضية حيث إن الدراسات التي تطرقت لها اعتمدت علي رؤية مستقبلية بناءً علي معلومات وتصورات مثل ارتفاع درجة الحرارة وذوبان الجليد وارتفاع مستوي سطح البحر دون اعتبار العوامل المميزة للدلتا والسواحل المصرية واحتوائها علي حواجز طبيعية مثل: الكثبان الرملية والظلال وأعمال الحماية الصناعية ومعدل ارتفاع سطح البحر النسبي المقدر فعليا علي سواحل مصر وهو 2 ملليمتر سنويا.
كما أن أغلب التقديرات اعتمدت علي تقييم غير دقيق لمناسيب وارتفاعات المناطق الساحلية والتي اعتبرت أن معظم المناطق منخفضة عن سطح البحر.. في حين أن نتائج القياسات التي قام بها المعهد تقول إن متوسط ارتفاع شواطئ الدلتا يبلغ 2 متر أو أكثر كما هو موجود في البرلس وجمصة لوجود الكثبان الرملية مما يعني أنها بمنأي عن الغرق.. وقد قسمت الأبحاث التي أجريت علي الشواطئ إلي شواطئ معرضة للخطر ومنخفضة المنسوب عن سطح البحر مثل ساحل بحيرة المنزلة ومنطقة الطرح جنوب الإسكندرية.. وشواطئ آمنة وغير معرضة للنحر علي الإطلاق وهي الشواطئ المحمية طبيعيا بالكثبان الرملية الواقعة بين البرلس وبلطيم وجمصة.. والشواطئ التي يحدث عندها ترسيب مثل: منتصف خليج أبوقير وأبوخشبة وجمصة بين البروزات والشواطئ المحمية صناعيا بأشكال خرسانية وهي تغطي 30٪ من شواطئ الدلتا.. وترتفع ما بين 2 إلي 6 أمتار فوق سطح البحر كما في بلطيم ورشيد ودمياط.
ومن جانبه يقول »الدكتور سيد حسن شرف الدين أستاذ علوم البحار بجامعة الإسكندرية: إن الإسكندرية والدلتا لن تغرقا لأنه في أسوأ الأحوال الجوية سيرتفع سطح البحر من 9 سنتيمترات إلي 15 سنتيمترا حتي عام 2050 أثناء هبوب النوات.. وموضوع غرق الدلتا مبني علي أسس علمية غير سليمة.. لأن الحديث عن ارتفاع درجة حرارة الجو افتراضات غير علمية واختلفت دول كثيرة حولها وتحتاج لدراسات وقياسات لسنوات طويلة قبل الوصول إلي نتائج قوية تشير لارتفاع درجة الحرارة لأن النتائج تشير لوجود إتزان حراري علي سطح الكرة الأرضية في البحار والمحيطات تغطي 71٪ من سطح الكرة الأرضية.
ويشير »الدكتور إبراهيم معيزة.. أستاذ الفيزياء البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار«: إلي أن مسألة غرق الإسكندرية في عام 2050.. غير صحيح لأننا نعيش في الإسكندرية الثالثة أو الرابعة فوق الإسكندرية القديمة وهذا يعود إلي هبوط الأرض وليس ارتفاع مستوي سطح البحر الناتج من ارتفاع درجة الحرارة بسبب الانبعاثات الصناعية لأنه لم تكن هناك مصانع قديما.. والأبحاث التي تتحدث عن غرق الدلتا والإسكندرية تعتمد علي بيانات تم جمعها من مصر في فترة عدم استقرار للسواحل المصرية المصاحبة لتوقف طمي النيل.. ولذلك نحتاج لجمع البيانات القديمة البحرية والجوية ومراجعتها علميا ثم دراستها إحصائيا للوصول إلي جواب مؤكد حول هذا الموضوع.
جواب مؤكد
< والحديث عن المتغيرات المناخية الآن ليس معناه أن كل التنبؤات ستتحقق لأن العلماء ليس لديهم جميع العوامل المؤثرة في المناخ.. هكذا يبدأ كلام »العالم الجيولوجي الكبير الدكتور رشدي سعيد« والذي يستطرد قائلا: علي مر العصور حدثت تغيرات مناخية عديدة حتي استطاع قدماؤنا المصريون التأقلم معها.. فمثلا ما بين عامي 1000 و2000 قبل الميلاد حدثت تغيرات مناخية وارتفاع درجات الحرارة أدت لذوبان الجليد وغرق بحيرة المنزلة التي لم تكن موجودة قبل ألف ومائة عام وكانت قبل ذلك أراضي تعتبر مركزا تجاريا بين مصر والشام واليونان.. وفي عام 1850 شهدت الأرض عصر الجليد الصغير لمدة مائة عام.. حيث تجمعت المياه وزحفت علي الوديان ووصلت لسويسرا وانخفض منسوب البحر.. وكبرت مساحة مصر حيث اكتسبت جزءا من الأرض حتي أن القلاع التي بناها الأتراك في ذلك الوقت أصبحت داخل مياه البحر.. ومن قراءة تاريخ الأرض يمكن توقع حدوث تغيرات مناخية فعلا.. وسطح البحر سيرتفع بشكل طفيف ويضيء خلال الفترة المقبلة.. لأنه كان يتم بشكل أسرع في البداية.. فخلال الـ10سنوات الماضية ارتفع منسوب البحر لـ130 مترا منها 110 ارتفعت فقط خلال الأربع سنوات الأولي وتم حساب ارتفاع منسوب البحر خلال الـ200 سنة الماضية بحوالي 3سنتيمترات ولكن لو ارتفع »مترا« خلال الفترة المقبلة فحوالي 40٪ من الدلتا المصرية ستغرق بالكامل ومنها محافظة البحيرة.. ولكن أنا مطمئن علي الإسكندرية فهي لن تغرق.
< وهنا يقول »الدكتور فاروق الباز.. كبير الباحثين بوكالة الفضاء الأمريكية - ناسا«: صور الأقمار الصناعية أكدت أن منسوب البحر المتوسط سيرتفع من 30سنتيمترا إلي متر بنهاية القرن.. الأمر الذي يعني غمر المناطق الساحلية في دلتا مصر بمياه البحر خاصة أن مياه البحر المتوسط ارتفعت صعودا بمعدل 0.8 بوصة سنويا خلال العقد الماضي.. وبحلول عام 2100 سيكون ارتفاع منسوب البحر مدمرا لكل الشواطئ الرملية في الشواطئ المصرية.. لكن الخسائر المترتبة علي ذلك لن تقارن إذا قورنت بخسائر السيناريو الأسوأ وهو الارتفاع المفاجئ لدرجات الحرارة في منطقة الجليد القطبي مما سيدفع صفائح وكتل جلدية عملاقة نحو جرين لاند وغرب القطب المتجمد الجنوبي وهذا يعني غرق جزء كبير من الدلتا.. وإجبار سكانها ـ والذين من المتوقع أن يصلوا إلي 160 مليون نسمة منتصف القرن الحالي ـ علي الرحيل إلي الصحراء.
روشتة للعلاج
< ولكن كيف يمكن أن نواجه هذا الخطر ونتلاقي آثاره السلبية؟!
ـ والإجابة نسمعها من الدكتور جيري ليتش .. مدير مركز الوليد بن طلال للدراسات بالجامعة الأمريكية والذي يقول: إن وضع الحواجز والسدود علي الشواطيء الساحلية وفي دمياط ورشيد ربما تعد حلولا جزئية قد تفلح بعض الشيء لو ارتفع منسوب مياه البحر إلي 3 أو 4 أمتار.. لكنها لن تفلح في مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر عند 7 أمتار في حالة ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية.. فطبيعة الأرض في مصر مسطحة في أغلبها وب ستتسرب المياه من أسفل الحواجز وتتسبب في غرق الدلتا.. ومنا هنا يجب البحث عن حلول بعيدة المدي تشارك فيها دول المنطقة ومن بينها بناء سدود وقناطر علي مضيقي جبل طارق وباب المندب لاتسبب تعطيلا للملاحة.. وهناك دول متقدمة مثل : هولندا وضعت موانع عند المحيط الأطلنطي ولم تؤد السدود في مضيق بنما إلي إعاقة الملاحة.. وتأتي هذه المشاريع في ضوء الدراسة التي طرحها المهندس الألماني: هيرميل سورجيل عام 1927 من خلال مشروع متكامل يسمي: »حوض البحر المتوسط« بإنشاء قنطرة عند مدخل جبل طارق يتم بواسطتها التحكم في كمية المياه المراد إدخالها إلي المتوسط تحول دون غرق المناطق الساحلية.. ومن المتوقع أن يستغرق إنشاء تلك البوابة من 10 إلي 15 عاما وتتكلف مليارات من الدولارات.
أما علي المستوي المحلي وهو الحل المتعلق بمصر بمفردها فيتمثل في إنشاء شاطئ جديد علي الدلتا باستخدام التربة ورمال قاع البحر المغمورة أسفل مياه البحر الأبيض المتوسط وإعادة ضخها علي الشواطئ المصرية مما يزيد ارتفاعها لأعلي من مستوي البحر.. وسيتم بناء حائط أسفل التربة في الدلتا لمنع تسرب مياه البحر من أسفله لأنه لايمكن بناء حائط خرساني ليصد المياه عن الشواطئ المصرية لأنه سيصد فقط المياه السطحية لكن المياه المتسربة من أسفل ستتمكن من النفاذ.. كما أن دلتا النيل تتميز بطبيعة تسمح بمرور الماء وفقا لنظرية الأواني المستطرقة.