هناك قيمة عظيمة جدا نحتار في التعامل معها، هي الصدق، كلمة من ثلاثة أحرف فقط لكن وزنها أكبر بكثير من الثلاثة حروفدائما نقول اللهم اجعلنا صادقين.
والله سبحانه يقول في سورة التوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
للصدق أنواع كثيرة.. منها؟
منها الصدق مع الله والصدق مع النفس، والصدق مع الناس وهذا النوع الأخير أصبح مسألة معقدة جدا، وأصبح يوجد ما يسمونه بالتجمل وغيره من المسميات لتسهيل الأمور على أنفسنا، أما أخطر الأنواع والتي تخيف جدا فهي الصدق مع الله، وفي كل شكل من الأشكال الثلاثة مراحل ومستويات.
أولا الصدق مع الله
ما الذي يأتي في ذهنك مباشرة عندما أقول الصدق مع الله؟
العبودية الحقيقية لله هي الصدق مع الله، بمعنى أنني حين أصدق مع الله فمعناها أنني عبد بحق، وإذا كنت متكبرا فلن أكون صادقا مع الله؛ لأني ساعتها سأكون منازعا له سبحانه في صفة له وحده؛ فالله هو المتكبر العزيز الجبار، ولن أكون صادقا مع الله لو أنني أرائي الناس بالأعمال الصالحة أو حتى أي أعمال أخرى حتى يقال عني: فلان سخي، فلان كريم، فلان معطٍ، ولن أكون صادقا مع الله لو أنني لا أؤدي الفرائض لأننا نقول في سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فيقول الله: حمدني عبدي، ونقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيقول: أثنى عليَّ عبدي، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيقول: مجّدني عبدي، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيقول: هذا بيني وبين عبدي، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فيقول: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وهنا يظهر الصدق مع الله، وأريد أن أقول شيئا من أجل ربط هذا بكلامنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نقولها لربنا كل يوم في صلاتنا وفي الفاتحة، ولكن هل فعلا نحن صادقون عندما نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، أم من الممكن أن يتسلل فيها أشياء خفية، كأن أكون -مثلا- متصورا أن مديري في العمل هو الرازق والعياذ بالله، وأنا لا أستحضر أن الله هو الرازق، فأبدأ في الكذب عليه حتى آخذ الراتب كاملا، أو أن أكون –مثلا- قد وصلت إلى العمل الساعة 10 وأكتب الساعة 8، إلى آخر هذه المعاني، فالصدق مع الله هو بداية حصول الصدق في قلوبنا وفي التعامل مع النفس ومع الخلق.
إن الصدق مع الله سيعرّفني حقيقة العبودية، فأنا عندما أتعامل على أني غني وأني لا أحتاج إلى الله سبحانه وتعالى، ففي سورة العلق يقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى}، فالإنسان أحيانا يتعامل على أنه مستغنٍ وغير محتاج، فيطغى عندما يشعر أنه لا يحتاجه، لكن لو صدق مع الله ومع نفسه واعتبر نفسه فقيرا ومحتاجا فلن يكذب على الله ولن يعصيه، فإن لم أحقق هذا المعني فلابد أن أكون قد كذبت على نفسي وكذبت على الله في عبوديتي له، ويمكن أن أكون مصليا وأقول له في الصلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ولكنني أتعامل على أساس أني مستغنٍ عنه، وهنا أحب أن أوضح أنني أريد أن أصل لمعنى أن الصدق مع الله هو أن أتحقق من صفات عبوديتي ونقصي فأقول له: "أنت الغني وأنا عبدك الفقير إليك.. أنت القوي وأنا عبدك العاجز".
دائما نقول إن الواحد منا عندما يشعر أنه ذليل ومحتاج إلى الله فإنه يقوى ولا يضعف أليس هذا صحيحا؟
هذا هو معنى العبودية، أن يوقن العبد أن حقيقة الغنى لا تتأتى إلا من التحقق من الفقر، فأتحقق أنا بفقري إلى الله فأكون أغنى الناس، بعجزي أمام الله فأكون أقدر الناس، هذا من حكمته سبحانه وتعالى، وكي أقرب لك المعني أريد أن تتحقق من هذا المثال المرئي؛ فالله قد جعل أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أرأيت! وهو ساجد، أي في لحظة يكون فيها الإنسان أذل ما يكون.. إذن فالصدق مع الله يعني التحقق من العبودية.
وماذا أيضا من مظاهر الصدق مع الله؟ لأننا نرى أن من أكبر الكبائر هي شهادة الزور، فهي كذب على الناس وعلى الله..
ليس من شك في أن شهادة الزور لون من أكبر ألوان الكذب، وأنه عندما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر المختلفة وذكر الشرك بالله قال: "ألا وشهادة الزور"، وكررها أكثر من مرة، وفي رواية أن الناس تمنوا لو سكت من كثرة ما كرر: "ألا وشهادة الزور"، وهنا يوجد أكثر من نقطة منها ما ورد في الحديث المعروف ومعناه أن المؤمن قد يكون بخيلا ولكنه لا يكون كذابا؛ وفي هذا إعلاء لقيمة الصدق وتقبيح للكذب؛ لأنه توجد شهوات بداخلنا مثل شهوة الجنس؛ فلو أنني قصّرت في ضبطها فسأزني، وهكذا في حالة السرقة أيضا، لكن ما هي الشهوة الأساسية التي أدت إلى الكذب؟ لا شيء داخل الإنسان يدفعه إلى الكذب، ولكنه حال سلبي تملَّك منه فبدأ يستسهل وبدأ يكذب، فهو هروب من فعل الصواب. ولذلك فإن هناك أسبابا تؤدي بنا كبشر إلى أن نكذب.
أعجبني قولك إن الكذب ليس شيئا فطريا بداخلنا، بل نحن الذين أدخلناه في حياتنا بغير أساس وتغلغل بشدة، ولا نستطيع الكذب على أرواحنا في هذه النقطة، فأنا أريدك أن تقول لي: كيف غيّرنا فطرتنا؟؟
هذا من غير شك ضعف في الإيمان، من أجل ذلك قال الرسول في الحديث ما معناه إن الإنسان يمكن أن يزني ويسرق لكن الكذب أثقل هذه الأشياء؛ لأنه ليس له أصل داخلنا في الفطرة؛ فالفطرة عكس هذا تماما، والفطرة إيمان والإيمان صدق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"، و"كذابا" في اللغة صيغة مبالغة تدل على تكرار الكذب وحدوثه كثيرا.. إذن لماذا نحن نكذب؟!
لماذا نكذب ولماذا لا نواجه أنفسنا بشجاعة بدلا ما أن نقول الدنيا كلها كده وأنا مضطر؟
الجواب أن هناك أسبابا كثيرة جدا.. علماء النفس تكلموا فيها، ولكني هنا سأطرح لونا لا يرى فيه الناس كذبا بل يرونه خفة ظل.. ألا وهو النكتة، فأحيانا يكذب الإنسان فقط لأنه يحب أن يضحك الناس لا أكثر. رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يضمن بيتا جميلا في الجنة في أوسطها لمن ترك الكذب وإن كان مازحا.
فهذا سبب أو لون.. ولن نفصِّل في كل شكل ولون لضيق الوقت، لكن هناك سببا آخر وهو أني أريد أن أهرب من العقوبة، يعني أحيانا يكون الإنسان خائفا أن يعاقب بشيء فعندما يواجَه بالشيء الذي عمله يكذب بسرعة، إذن ما سبب الكذب؟ أنه يخاف من العقوبة، وهذا يحدث مع الأطفال كثيرا، ولهذا لا نريد أن نجعل عقوباتنا للأطفال مبالغا فيها..
وإلا فإن الكذب سيصبح مهربا مشروعا في نظر الكذاب..
نعم وسنكون قد بررنا لهم الكذب، وذكر الأطفال مهم جدا؛ لأن هذه المرحلة هي التي تتكون فيها العادات؛ فلو علمنا الطفل أن الخطأ أمر وارد وألا يخاف وأن العقوبة على قدر الموضوع بالضبط، فسيكون ذلك أفضل.
وما رأيك في اتباع سياسة أنك إن قلت الصدق فلن تعاقب؟
هي سياسة تربوية حكيمة جداً في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى يكون تخفيف العقوبة دون إلغائها حكيما كذلك، ولكن للأسف توجد سياسة تربوية سيئة جدا كأن يرد ابني على التليفون فأقول له: "قل له إني مش موجود" فأبدأ في تعويد الطفل وتعويد لسانه وقلبه على معنى أنه يذكر شيئا غير الحقيقة التي يراها، وبذلك أكون قد أخرجت من داخله ومن فطرته أساسا من أسس الإيمان وهو قول الشيء على ما هو عليه، وهذه نقطة مهمة جدا، فلا يصحّ أن أعوّد أبنائي على الكذب في مرحلة التكوين.
وماذا عن الكذب على النفس؟
الشكل الآخر من الكذب هو الكذب على النفس، حيث إنني قد أكذب على نفسي وأبدأ أقنع نفسي أني إنسان صالح، وكلما أرى عيبا في نفسي أتحرى كيف أتفاداه وأبرره وأقول إنني أفضل من غيري، وأبدأ أقول وأعمل وأنشغل بالرياء وبالمحافظة على منظري، وأصبح معجبا بنفسي وأصبح متكبرا إلى آخر كل هذه المعاني، وفي النهاية أدرك جيدا أني لا أريد أن أواجه نفسي، وهذا نوع من الكذب على النفس، والأفضل والأكثر صدقا أن نعمل العكس.. وقفة صادقة مع النفس وأقول: أنا فيّ العيب الفلاني، فتعالَ نتكلم بصراحة.. بمعنى أني عندما أرى أنني فيّ العيب الفلاني، كأن أكون كذبت أو أخطأت أو لم يكن من حقي أن أعامل هذا الشخص بهذه الطريقة، فالكذب على النفس هو أن أبرر لنفسي هذا التصرف والصدق هو مواجهتها بالخطأ والاعتراف بالعيب.
ولو أنني رأيت عيبا في نفسي فليس منقصا من قدري ساعتها أن أقول لها إن هذا موجود وأكون صادقا معها.
وأول خطوة للإصلاح؟؟
معرفة الداء نصف الدواء، أقف مع نفسي وأقول أنا فيّ العيب الفلاني، إذن لن أنشغل بـ"المكياج المعنوي" وأظل أقول لنفسي ليس فيّ عيوب، وأبرر أولا لنفسي ثم أشرحها لغيري فأكون أكذب على غيري أيضا، لكن لو أنني صادق مع نفسي فلن أحتاج إلى أن أكذب على غيري، فكثيرا ما يكون الكذب على الآخر تابعا للكذب على النفس. ومن ضمن الأشياء التي من الممكن أن نفعلها أن نبحث على العيوب التي نقول إنها ليست فينا ونصدُق مع أنفسنا، ولو مرة صادقة بحق.
إن قضية الصدق مع النفس مطلوب فيها التأمل وخاصة العيوب التي بداخلنا فإن اعترفت بعيب نفسي كنت صادقا معها سأبدأ في أن أعمل على أن أتخلص منه.. فمعرفة الداء نصف الدواء، فهيا بنا نعرف الداء ونكتشف أمراض قلوبنا لنعمل على إصلاحها لنكون كما يرضى الله سبحانه وتعالى لنا..
والله أسأل أن يجعلنا من الصادقين ومن التوابين
والله سبحانه يقول في سورة التوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
للصدق أنواع كثيرة.. منها؟
منها الصدق مع الله والصدق مع النفس، والصدق مع الناس وهذا النوع الأخير أصبح مسألة معقدة جدا، وأصبح يوجد ما يسمونه بالتجمل وغيره من المسميات لتسهيل الأمور على أنفسنا، أما أخطر الأنواع والتي تخيف جدا فهي الصدق مع الله، وفي كل شكل من الأشكال الثلاثة مراحل ومستويات.
أولا الصدق مع الله
ما الذي يأتي في ذهنك مباشرة عندما أقول الصدق مع الله؟
العبودية الحقيقية لله هي الصدق مع الله، بمعنى أنني حين أصدق مع الله فمعناها أنني عبد بحق، وإذا كنت متكبرا فلن أكون صادقا مع الله؛ لأني ساعتها سأكون منازعا له سبحانه في صفة له وحده؛ فالله هو المتكبر العزيز الجبار، ولن أكون صادقا مع الله لو أنني أرائي الناس بالأعمال الصالحة أو حتى أي أعمال أخرى حتى يقال عني: فلان سخي، فلان كريم، فلان معطٍ، ولن أكون صادقا مع الله لو أنني لا أؤدي الفرائض لأننا نقول في سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فيقول الله: حمدني عبدي، ونقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيقول: أثنى عليَّ عبدي، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيقول: مجّدني عبدي، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيقول: هذا بيني وبين عبدي، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فيقول: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وهنا يظهر الصدق مع الله، وأريد أن أقول شيئا من أجل ربط هذا بكلامنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نقولها لربنا كل يوم في صلاتنا وفي الفاتحة، ولكن هل فعلا نحن صادقون عندما نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، أم من الممكن أن يتسلل فيها أشياء خفية، كأن أكون -مثلا- متصورا أن مديري في العمل هو الرازق والعياذ بالله، وأنا لا أستحضر أن الله هو الرازق، فأبدأ في الكذب عليه حتى آخذ الراتب كاملا، أو أن أكون –مثلا- قد وصلت إلى العمل الساعة 10 وأكتب الساعة 8، إلى آخر هذه المعاني، فالصدق مع الله هو بداية حصول الصدق في قلوبنا وفي التعامل مع النفس ومع الخلق.
إن الصدق مع الله سيعرّفني حقيقة العبودية، فأنا عندما أتعامل على أني غني وأني لا أحتاج إلى الله سبحانه وتعالى، ففي سورة العلق يقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى}، فالإنسان أحيانا يتعامل على أنه مستغنٍ وغير محتاج، فيطغى عندما يشعر أنه لا يحتاجه، لكن لو صدق مع الله ومع نفسه واعتبر نفسه فقيرا ومحتاجا فلن يكذب على الله ولن يعصيه، فإن لم أحقق هذا المعني فلابد أن أكون قد كذبت على نفسي وكذبت على الله في عبوديتي له، ويمكن أن أكون مصليا وأقول له في الصلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ولكنني أتعامل على أساس أني مستغنٍ عنه، وهنا أحب أن أوضح أنني أريد أن أصل لمعنى أن الصدق مع الله هو أن أتحقق من صفات عبوديتي ونقصي فأقول له: "أنت الغني وأنا عبدك الفقير إليك.. أنت القوي وأنا عبدك العاجز".
دائما نقول إن الواحد منا عندما يشعر أنه ذليل ومحتاج إلى الله فإنه يقوى ولا يضعف أليس هذا صحيحا؟
هذا هو معنى العبودية، أن يوقن العبد أن حقيقة الغنى لا تتأتى إلا من التحقق من الفقر، فأتحقق أنا بفقري إلى الله فأكون أغنى الناس، بعجزي أمام الله فأكون أقدر الناس، هذا من حكمته سبحانه وتعالى، وكي أقرب لك المعني أريد أن تتحقق من هذا المثال المرئي؛ فالله قد جعل أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أرأيت! وهو ساجد، أي في لحظة يكون فيها الإنسان أذل ما يكون.. إذن فالصدق مع الله يعني التحقق من العبودية.
وماذا أيضا من مظاهر الصدق مع الله؟ لأننا نرى أن من أكبر الكبائر هي شهادة الزور، فهي كذب على الناس وعلى الله..
ليس من شك في أن شهادة الزور لون من أكبر ألوان الكذب، وأنه عندما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر المختلفة وذكر الشرك بالله قال: "ألا وشهادة الزور"، وكررها أكثر من مرة، وفي رواية أن الناس تمنوا لو سكت من كثرة ما كرر: "ألا وشهادة الزور"، وهنا يوجد أكثر من نقطة منها ما ورد في الحديث المعروف ومعناه أن المؤمن قد يكون بخيلا ولكنه لا يكون كذابا؛ وفي هذا إعلاء لقيمة الصدق وتقبيح للكذب؛ لأنه توجد شهوات بداخلنا مثل شهوة الجنس؛ فلو أنني قصّرت في ضبطها فسأزني، وهكذا في حالة السرقة أيضا، لكن ما هي الشهوة الأساسية التي أدت إلى الكذب؟ لا شيء داخل الإنسان يدفعه إلى الكذب، ولكنه حال سلبي تملَّك منه فبدأ يستسهل وبدأ يكذب، فهو هروب من فعل الصواب. ولذلك فإن هناك أسبابا تؤدي بنا كبشر إلى أن نكذب.
أعجبني قولك إن الكذب ليس شيئا فطريا بداخلنا، بل نحن الذين أدخلناه في حياتنا بغير أساس وتغلغل بشدة، ولا نستطيع الكذب على أرواحنا في هذه النقطة، فأنا أريدك أن تقول لي: كيف غيّرنا فطرتنا؟؟
هذا من غير شك ضعف في الإيمان، من أجل ذلك قال الرسول في الحديث ما معناه إن الإنسان يمكن أن يزني ويسرق لكن الكذب أثقل هذه الأشياء؛ لأنه ليس له أصل داخلنا في الفطرة؛ فالفطرة عكس هذا تماما، والفطرة إيمان والإيمان صدق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"، و"كذابا" في اللغة صيغة مبالغة تدل على تكرار الكذب وحدوثه كثيرا.. إذن لماذا نحن نكذب؟!
لماذا نكذب ولماذا لا نواجه أنفسنا بشجاعة بدلا ما أن نقول الدنيا كلها كده وأنا مضطر؟
الجواب أن هناك أسبابا كثيرة جدا.. علماء النفس تكلموا فيها، ولكني هنا سأطرح لونا لا يرى فيه الناس كذبا بل يرونه خفة ظل.. ألا وهو النكتة، فأحيانا يكذب الإنسان فقط لأنه يحب أن يضحك الناس لا أكثر. رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يضمن بيتا جميلا في الجنة في أوسطها لمن ترك الكذب وإن كان مازحا.
فهذا سبب أو لون.. ولن نفصِّل في كل شكل ولون لضيق الوقت، لكن هناك سببا آخر وهو أني أريد أن أهرب من العقوبة، يعني أحيانا يكون الإنسان خائفا أن يعاقب بشيء فعندما يواجَه بالشيء الذي عمله يكذب بسرعة، إذن ما سبب الكذب؟ أنه يخاف من العقوبة، وهذا يحدث مع الأطفال كثيرا، ولهذا لا نريد أن نجعل عقوباتنا للأطفال مبالغا فيها..
وإلا فإن الكذب سيصبح مهربا مشروعا في نظر الكذاب..
نعم وسنكون قد بررنا لهم الكذب، وذكر الأطفال مهم جدا؛ لأن هذه المرحلة هي التي تتكون فيها العادات؛ فلو علمنا الطفل أن الخطأ أمر وارد وألا يخاف وأن العقوبة على قدر الموضوع بالضبط، فسيكون ذلك أفضل.
وما رأيك في اتباع سياسة أنك إن قلت الصدق فلن تعاقب؟
هي سياسة تربوية حكيمة جداً في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى يكون تخفيف العقوبة دون إلغائها حكيما كذلك، ولكن للأسف توجد سياسة تربوية سيئة جدا كأن يرد ابني على التليفون فأقول له: "قل له إني مش موجود" فأبدأ في تعويد الطفل وتعويد لسانه وقلبه على معنى أنه يذكر شيئا غير الحقيقة التي يراها، وبذلك أكون قد أخرجت من داخله ومن فطرته أساسا من أسس الإيمان وهو قول الشيء على ما هو عليه، وهذه نقطة مهمة جدا، فلا يصحّ أن أعوّد أبنائي على الكذب في مرحلة التكوين.
وماذا عن الكذب على النفس؟
الشكل الآخر من الكذب هو الكذب على النفس، حيث إنني قد أكذب على نفسي وأبدأ أقنع نفسي أني إنسان صالح، وكلما أرى عيبا في نفسي أتحرى كيف أتفاداه وأبرره وأقول إنني أفضل من غيري، وأبدأ أقول وأعمل وأنشغل بالرياء وبالمحافظة على منظري، وأصبح معجبا بنفسي وأصبح متكبرا إلى آخر كل هذه المعاني، وفي النهاية أدرك جيدا أني لا أريد أن أواجه نفسي، وهذا نوع من الكذب على النفس، والأفضل والأكثر صدقا أن نعمل العكس.. وقفة صادقة مع النفس وأقول: أنا فيّ العيب الفلاني، فتعالَ نتكلم بصراحة.. بمعنى أني عندما أرى أنني فيّ العيب الفلاني، كأن أكون كذبت أو أخطأت أو لم يكن من حقي أن أعامل هذا الشخص بهذه الطريقة، فالكذب على النفس هو أن أبرر لنفسي هذا التصرف والصدق هو مواجهتها بالخطأ والاعتراف بالعيب.
ولو أنني رأيت عيبا في نفسي فليس منقصا من قدري ساعتها أن أقول لها إن هذا موجود وأكون صادقا معها.
وأول خطوة للإصلاح؟؟
معرفة الداء نصف الدواء، أقف مع نفسي وأقول أنا فيّ العيب الفلاني، إذن لن أنشغل بـ"المكياج المعنوي" وأظل أقول لنفسي ليس فيّ عيوب، وأبرر أولا لنفسي ثم أشرحها لغيري فأكون أكذب على غيري أيضا، لكن لو أنني صادق مع نفسي فلن أحتاج إلى أن أكذب على غيري، فكثيرا ما يكون الكذب على الآخر تابعا للكذب على النفس. ومن ضمن الأشياء التي من الممكن أن نفعلها أن نبحث على العيوب التي نقول إنها ليست فينا ونصدُق مع أنفسنا، ولو مرة صادقة بحق.
إن قضية الصدق مع النفس مطلوب فيها التأمل وخاصة العيوب التي بداخلنا فإن اعترفت بعيب نفسي كنت صادقا معها سأبدأ في أن أعمل على أن أتخلص منه.. فمعرفة الداء نصف الدواء، فهيا بنا نعرف الداء ونكتشف أمراض قلوبنا لنعمل على إصلاحها لنكون كما يرضى الله سبحانه وتعالى لنا..
والله أسأل أن يجعلنا من الصادقين ومن التوابين