القاهرة- عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، صدر كتاب "واحد دماغ .. وصلحه" للكاتب الساخر عز الدين بكير.
يقع الكتاب في 230 صفحة من القطع المتوسط. وصمم الغلاف فنان الكاريكاتير محمد عبد اللطيف.
أبطال كتاب "واحد دماغ وصلحه" شخصيات رسمها عز الدين بكير من واقعنا المعاش: الحاج سعد المقاول، الأسطى عبده كربراتير الميكانيكي، عطوة الكبابجي، عبده صاروخ الفراش، الدكتور سلامة عقدة الطبيب النفسي، الشيخ مرجان الدجال، إبراهيم كرات سواق التاكسي المعروف بـ"إستنجلينة"، الأستاذ حسنين المر المحامي الشهير، مصطفى بقدونس المعارض الحكومي الكبير، الأسطى زينهم، فسوكة لاعب الكرة وبطل الأبطال، الأسطى عبد المعز الترزي، والمسؤول الكبير الذي يملك تعيين الوزراء وكبار أهل السلطة والذي ينجح في تعيين أحد أقاربه وزيرا للتربية والتعليم، وهو الراسب في الثانوية العامة سبع سنوات ولم يكمل تعليمه.
يجيء "واحد دماغ وصلحه" كنموذج راقي للأدب الساخر، في لغة تكاد تقترب من اللغة السينمائية، برع من خلالها الكاتب الصحفي عز الدين بكير في رسم صور واقعية ساخرة للعديد من المهن والشخصيات المصرية التي اتخذت من "الفهلوة" منهجا رئيسا للحياة، ومتخذا من الكوميديا السوداء سبيلا يعبر من خلاله إلى نقد حال المجتمع المصري، بعيدا عما اعتدناه هذه الأيام من كتابات سطحية تدعي السخرية، فلا اللغة مالت بجانبها نحو عامية مبتذلة حتى تفوقت فى استخفافها على لغة الشارع، ولا الموضوعات جاءت سطحية تافهة لا تصلح إلا أن تناقش على المقاهي وفوق أرصفة يدعي الجالسون عليها أنها ملجأ المثقفين، لكننا هنا بإزاء كتابة مغايرة، صيغت بأسلوب راق، فجمعت فى مجملها بين روعة التعبير ورصانة الفكرة.
ولأن الكتابة الساخرة تحتاج إلى مصارحة الذات أولا قبل مصارحة المجتمع، فقد عمد عز الدين بكير أحيانا إلى تكسير جميع الحواجز اللغوية والأدبية لتكون الرسالة أقوى من طلقات الرصاص، أملا في التغيير والتبصير بطريقة ساخرة خفيفة.
* من كتاب "واحد دماغ .. وصلحه":
على الرغم أن الفهلوة من عجائب المصريين؛ وليست الأهرام فقط أعجوبتهم الوحيدة؛ فقد أدهش المصريون العالم على مر التاريخ من خلال اكتشافاتهم أو اختراعاتهم، وليس ما توصل إليه العالمان العظيمان د.أحمد زويل و د.مصطفى السيد "الفيمتو، النانو" وغيرهما؛ بآخر إنجازات المصريين، فهذه العقلية العجيبة تحب التميز، وحتى في أبسط الأشياء، تتفجر عبقرياتهم. فلا يوجد شعب في العالم غيرهم، قد اهتدى إلى إمكانية تسمية أفراده بصيغة المثنى "حسنين ومحمدين"، ولا شغف شعب غيرهم بحب الطلاسم فأسمو "الدرمللي". وتعجز أفضل الترجمات عن تفسير ما يقصده المصريون عندما يطلقون على امرأة ما لفظة "أم قويق" أو "أم أربعة وأربعين"، أو ما يعنيه جرسون المقهى وهو ينادي "واحد شاي وصلحه"، ولا أظن في غير بلادهم يوجد وظيفة في العالم اسمها "المنجد"؛ وهو العامل الذي يعيد نفش أقطان الألحفة بسنجته الشهيرة.
إلا أن الفهلوة على ذيوعها بين المصريين، لم تأخذ الاهتمام المنوط بها كإحدى خصائص المصريين، ولا يُعرف حتى هذه اللحظة لماذا خلت منها الدراسات والبحوث "لا توجد عنها رسالة دكتوراة واحدة" لذلك فقد ترددت كثيرا وأنا أقتحم هذا الموضوع، وقد حذرني الأسطى زينهم زميل المقهى "وهو كثير الإطلاع في الصحف البائتة" من تناول الموضوع، بل وصفه بأنه كاللعب بالنار، ولما أبديت دهشتي من وصفه، قال لي منذرا:
- ستجد نفسك في النهاية مطلوبا في قضية أمن دولة.
رددت مصعوقا: - أمن دولة ؟
فعاد يؤكد: - نعم أمن دولة ...
واستطرد: - ماذا تسمي إفشاء أسرار الدولة؟
ثم بسخرية تساءل: آداب؟!
واضطربتُ قليلا وقد تذكرت أن مصطلح "الفهلوة" لا توجد له ترجمة إلى أي من لغات العالم... هل يكون الأسطى زينهم على حق؟!
في الواقع هو رجل ربع متعلم، لكنه مع ذلك يكثر من قراءة الصحف وملم بقوانين الدولة التي تتغير كل حين.
واكتشفت ذات يوم عند أحد أقربائي قاموسا كبيرا اسمه "المنجد" "ليس له علاقة بالوظيفة التي ذكرتها آنفا"، لكنني كنت نسيت الميزان الصرفي للكشف على الكلمات، وحتى لو تذكرته كيف بالله استنتج الفعل من "فهلوة"؟! على أنه بعد حملة السيدة الأولى للتشجيع على القراءة ومكتبات الأسرة، وقعت بيدي تفاسير عديدة للمصطلح، بعضها يفيد بأنه القدرة على خلق وسائل لاصطياد زبون -أيا كان هذا الزبون- لتحصيل الاستفادة منه -أيا كانت هذه الاستفادة-.
وعلى عكس كثير من الاختراعات، ظل مخترع الفهلوة الأول مجهولا في كتب التاريخ بمصر، إلا أن بعض الأوساط العلمية والثقافية، تعرضت لنشوء علم الفهلوة بمصر فأفادت أن أحدهم كان مفلسا، فخرج من بيته يبحث عن أي عمل يقتات منه في ظروف اقتصادية تعسة "ليست بالرخاء الذي نعيشه الآن"، وبلا مؤهلات أو خبرات، لكنه مع ذلك كان يحتفظ بهذه الموهبة المعروفة بـ"الفهلوة"، وفي أثناء وقوفه كالشحط، إلى جانب الطريق يبحلق في الغادي والرائح، مرت من جانبه سيارة، ثم توقفت، ثم عادت بمؤخرتها، حيث أراد سائقها الركون إلى جانب الطريق، فما كان من هذا الفهلوي إلا أن صاح في سائق السيارة صيحته المباركة والذهبية: - تعالى، خذ يمينك.. أو خد شمالك.. قف.
ثم جرى نحو نافذة السائق ملوحا بيده، قائلا في صوت دمث: - أي خدمة يا بك.
فنفحه سائق السيارة بعض النقود... وهنا تولدت "الفهلوة" العبقرية، وولدت وظيفة جديدة "منادي سيارات" لم تكتشفها دولة من الدول المتقدمة بعد.
وظل اسم هذا الفهلوي مجهولا، لكنه وزع عبقريته على كثير من أصحاب المهن المصريين، الذين سنتناول سيرهم واحدا بعد آخر.
وكما نال المصريون جوائز نوبل نتاجا لعبقرياتهم وما أضافوه للإنسانية من اكتشافات، فهل كان يمكن لهذا الفهلوي الأول أن ينال هو الآخر، جائزة نوبل لنبوغه في وضع اللبنة الأولى للفهلوة؟ لا أظن لسبب بسيط، وهو تردده في أن يترك موقف السيارات لمدة اليومين اللذين يستلم خلالهما الجائزة بـ"استوكهلم"، خشية أن يحتل الموقف فهلوي آخر !...........