ضغوط , مشاحنات , مناوشات جماهيرية , حرب إعلامية , تهدئة من الوزارات الخارجية والسفارات الداخلية , الجميع يعيش في حالة احتقان وترقب وانتظار لمباراة الليلة التي ستشهد فرحة لفريق عربي وصدمة ستكون أيضاً من نصيب فريق عربي أخر .
هذا مجتمع الإعلام فماذا عن مجتمع الجماهير ؟ التي عانت طوال السنة الماضية وهي تترقب وتساند منتخب مصر في طريقه المتعثر والملئ بالعراقيل بتصفيات المونديال العالمي الذي سيتحلى باللون الأسمر هذه المرة بصفته سيقام في جنوب القارة السمراء الجميلة , الجماهير المصرية تعاني من الفساد الرياضي فبعد الفساد في الإعلام الرياضي بالفترة الأخيرة والذي بدأ في التلاشي إحقاقاً للحق , وجد الشعب المصري فساد من نوع أخر ينتظرهم عند طرح تذاكر المباراة .
إنه فساد موسمي يحدث في المباريات الكبيرة والتي يكون نسبة الحضور المتوقع فيها 100 % فينصب السيرك وينصب على الشعب المصري تحت مظلة السوق السوداء , فلك أن تتخيل أن سعر تذكرة الدرجة الثالثة 15 جنيهاً فقط قد وصل سعره قبل المباراة ب48 ساعة إلى 300 جنيه ومن المتوقع أن يزيد كلما غاب القمر وطلعت شمس نهار جديد حتى يأتي يوم المباراة .
عموماً ليس هذا هو العالم الأخر الذي سنذهب له في رحلة قصيرة فكل ما فات في السطور السابقة كان يشكل عالم واحد من الجماهير والإعلام أما العالم الأخر والأهم هو ما يدور في كواليس المنتخبين الشقيقين المصري والجزائري وكيف يستعد كل منهما للمباراة التي ستكون مباراة العمر لأحدهما ومباراة من أجل النسيان للأخر .
ولنبدأ بالجانب الجزائري الذي استعد نفسياً قبل أن يستعد بدنياً واستعد فنياً بدرجة مميزة وأعني بالفن هنا الفن السابع ولغة السينما العالمية التي تفوقت فيها الجزائر في الفترة الماضية وأصبح لها تواجد قوي في المهرجانات العالمية والعربية وهو ما انعكس على الفريق الوطني لكرة القدم في الجزائر الذي أتى إلى مصر بفيلم مثير ولكن إخراجه كان ضعيف ولم ينجح على المستوى المحلي إلا أنه لاقى نجاحاً لا بأس به على المستوى العالمي ولدى الفيفا على الأقل .
الفيلم الجزائري بالظهور في دور الضحية وإظهار الجمهور المصري في ثوب الإرهابيين فشل أن ينجح وعلى الرغم من أنه فشل أن يصدقه أحد في مصر وباقي دول الوطن العربي التي ساندت مصر إلا أنه عكس أن الجزائر لم تأتي لمصر للعب كرة قدم فقط بل وربما للمشاركة أيضاً بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بفيلم 12 نوفمبر الأخير !
وعلى الجانب الأخر وجدنا استعدادات المنتخب الوطني المصري البدنية على أعلى مستوى والفنية " الرياضية " كذلك والأخلاقية فاقت الحدود خاصة عندما ذهب منتخب أحلام مصر في جولة إلى المستشفيات المصرية من أجل إدخال البسمة على قلوب المرضى والتبرع بما قدرهم الله عليه لصالح هؤلاء الذين ابتلاهم الله بالمرض اختباراً لإيمانهم , والاختبار أيضاً كان لإيمان رجال منتخب أحلام مصر الذين دائماً لا يسألون غير الله ولا يلجئون لغيره .
منتخب الساجدين وجدناه يصلي في جماعة عند حلول موعد كل صلاة حتى لو تسبب ذلك في إنقطاع التمرين بقيادة نجم الجماهير محمد أبو تريكة وأحياناً الرجل الذي مهما تكلمنا عنه لن نوفيه حقه وهو المُعلم حسن شحاته , ينتظمون على قراءة القرآن الكريم يومياً لتهدئة نفوسهم وإدخال الإطمئنان والمزيد من الإيمان في قلوب " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .
استعداد رائع وما أروعه , وللقارىء أن يتخيل موقف الفريقين في الملعب والفجوة الكبيرة بينهما من ناحية الاستعدادات فريق استعان بالله وبالصبر والصلاة كما أمرنا الله في قوله تعالى " واستعينوا بالصبر والصلاة " وفريق أخر استعد باختلاق الأكاذيب والإدعاءات لتشويه سمعة بلد يطلق عليها جميع السائحين من شتى بلاد العالم بلد الأمن والامان , فهل تتساوى الكفتان ؟ إنها فجوة رهيبة يا سادة وهذا قبل أن نتكلم عن النواحي الفنية والتاريخية والنفسية لدى كل فريق .
ولكني لا أريد أن أعيد جملاً مكررة وأصبحت محفوظة لدى كل الجماهير المصرية والعربية الواعية وأسرد الفوارق التاريخية والفنية فكل شيء واضح مصر بطلة أفريقيا في أخر أربعة أعوام والجزائر لم تتأهل أساساً للبطولة الأفريقية منذ أربعة أعوام , ولكن هذا لا يقلل من شأن الفريق الجزائري الذي أثبت حتى الأن أنه منافس غاية في الشراسة على بطاقة التأهل للمونديال وهو للأمانة فريق رائع يديره مدير فني محنّك ولكن له ثغرات كثيرة جداً بالتأكيد فندها المُعلم القدير حسن شحاته للاعبيه .
كيف سيقابل لاعبي الجزائر الجماهير المصرية هذه المرة وهم في طريقهم إلى استاد القاهرة للعب المباراة ويجدون خارج الاستاد 80 مليون وداخل الاستاد عدد قد يصل إلى 100 ألف متفرج هل استعدادتهم تسمح لهم بالتماسك أمام هؤلاء الجماهير ؟ هل وجود عدد كبير من لاعبيهم في الدوريات الأوروبية قد يزيل هذه الرهبة ؟ من وجهة نظري اللعب أمام أي جماهير في أي استاد في العالم يختلف تماماً عن اللعب في استاد القاهرة أو كما يطلق عليه الجمهور الفرعوني " مقبرة الغزاة " .
وعلى الجانب الأخر عندما تأتي الساعة الثانية ظهراً على أقصى تقدير سوف يستقل المنتخب المصري حافلته ويتوكل بأمر الله إلى الاستاد ويجد مناصريه ومحبيه على جانبي الطريق يهتفون باسم مصر يطالبونه بتحقيق حلم العمر الذي طالما انتظروه منذ عام 1990 وهو أخر ظهور لمصر بالمونديال , الجميع سيكون في حالة تركيز وترقب وتأمل ودعاء لله عز وجل وعندما تطئ أقدامهم ملعب القاهرة الدولي سينفجر الملعب مُرحباً بمنتخب الأحلام المصري وستبدأ وقتها المساندة وستشكل الروح المصرية طبقة عازلة على شباك الحضري وفي الوقت نفسه ستضاعف مجهود الرجال المصريين في أرض الملعب , أما أثرها على الإخوة الأشقاء فدعونا ننتظر لنراه بأعيننا لأن أي كلمات لن تعبر عن هذا الموقف .
واختم كلامي ورحلتي التي ذهبنا فيها معاً إلى العالم الأخر والبعيد من مباراة مصر والجزائر بهذه الأيات الكريمة من كلام الله عز شأنه " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " , " ولئن شكرتم لأزيدنكم " الحمد لله على عطاياه سبحانه وتعالى من بطولات لهذا الجيل المؤمن وراضون عن كل النتائج في هذه المباراة , وأخيراً " وادعوني استجب لكم " وهي دعوة عامة للدعاء واللجوء إلى المولى جل شأنه , وهكذا نسير على نهج منتخب الساجدين في استعدادتهم للمباراة المرتقبة ضد الأشقاء في الجزائر .