من صحيفة الراكوين السودانية
مصرُ يا أخت بلادي .. يا شقيقة ..!!
عثمان ميرغني
رغم أن دولة الجزائر.. أيضاً شقيقة.. ونعتز بها وبشعبها الذي صنع التحرر بنهر من الدماء .. وضرب مثلاً للشعوب كيف تشتري كرامتها بأروح أبنائها.. إلاّ أن إخوتنا في الجزائر سيعذروننا من الآن .. وحتى نهاية التسعين دقيقة يوم الأربعاء القادم.. لأنه وبصراحة عندما تكون مصر في الكفة الأخرى.. فإننا نعجز عن فهم أننا شيء آخر غير مصر.. في مثل هذه المواقف تنهار الحدود السياسية.. وتذوب المسميات والحروف.. عندما اختار المصريون السودان، ليكون ميدان المعركة في حال تعادل النتيجة بالقاهرة.. كانوا يعلمون جيداً أن الإنتقال من مباراة في استاد القاهرة إلى مباراة ثانية في الخرطوم.. كالإنتقال من مدينة نصر إلى العباسية.. لن تفقد مصر لا الأرض ولا الجمهور.. الأرض هنا في السودان مصرية.. وكذلك الجمهور.. لا السودان أرض محايدة.. ولا السودانيين محايدين ..عندما تكون مصر طرفاً في مباراة .. مصر ليست مجرد (جارة الوادي) على رأي أغنية فيروز.. ولا هي مجرد (العلاقات التاريخية والأزلية) على رأي البيانات الرسمية – الباردة - التي تُطلق في المؤتمرات الصحفية.. لكن بالحساب المجرد.. مئات الآلاف من السودانيين الذين يعملون في مختلف المجلات هم من خريجي إمّا الجامعات المصرية في مصر.. أو المصرية في السودان.. علاقة جذورها ضاربة منذ الدولة السنارية والقسم الخاص لطلاب السودان الذي أُطلق عليه (رواق السنارية) ولا يزال في الأزهر.. وليست مجرَّد مباراة في كرة القدم.. عندما حاربت مصر إسرائيل .. لم يكتف السودان بإرسال كتائب تحارب كتفاً بكتف في بلدهم الثاني.. بل كانت شوارع الخرطوم تموج بالمسيرات والمظاهرات.. كأنِّي بالمعارك تجري في ضواحي الخرطوم.. ليس مطلوباً يوم الأربعاء أن نجلس لنتفرج على منتخبنا المصري في معركته التاريخية.. المطلوب أن يمتلئ الإستاد وحتى الشوارع المحيطة به بالمشجعين.. أو نسد الأفق بأعلام مصر والسودان.. وأن لا يخرج المنتخب المصري من الإستاد إلاّ على أعناق النصر الصاعد إلى جنوب أفريقيا.. فعندما اختارت مصر أن تلعب في السودان.. كانت تدرك أن جمهور السودان لا يشجع مصر بالوكالة عن جمهور مصر.. بل بالأصالة عن نفسه.. هي ليست مجرد مباراة في كرة القدم.. بل فرصة لبث رسالة أثيرية عابرة لبروتكولات الدبلوماسية..رسالة للسادة والساسة في البلدين.. أن العلاقات المصرية السودانية فوق اللجان الوزارية العليا.. وفوق السفارات .. وفوق البعثات الدبلوماسية.. وأنه لو تُرك الشعبان بلا وساطة الساسة فإنهما كالنيل لا يفصل بين مائه في السودان وفي مصر إلاّ الحدود الوهمية.. أتمنى أن نجتهد جميعاً يوم المعركة الكبرى.. وشكراً للظروف التي أتاحت لنا ذلك.. شكراً لأشقائنا في الجزائر الذين أتاحوا لنا فرصة التعبير عن "مصر" فينا..