يصف محمد عبدالصادق مدير إحدى شركات الاستيراد والتصدير المصرية فى الجزائر والعائد هاربا مع أسرته بملابس المنزل مرحلة التغير فى موقف الجزائريين من المصريين والتى بدأت منذ معرفة القرعة ووقوع الجزائر ومصر فى مجموعة واحدة والتى بعدها بدأ التصعيد الإعلامى والتحريض ضد مصر والمصريين إلى حد الإهانة والوقاحة والوصول بإحدى الصحف إلى تصوير حسن شحاتة وهو يرتدى فستان عروس ورابح سعدان بجانبه فى هيئة عريس وكتبوا تحت هذه «دخلة الجزائر ستكون فى القاهرة فى 14 نوفمبر».
ومنذ هذه اللحظة تحولت الجزائر إلى معسكر تعذيب للمصريين المقيمين فيها. يقول محمد فى حواره مع «اليوم السابع»: قبل أن تضع القرعة مصر والجزائر فى مجموعة واحدة فى تصفيات كأس العالم، كان الشعب الجزائرى بالنسبة لنا أحسن شعب ممكن نتعامل معه، لدرجة أننا فى الجزائر كنا نسير فى الشوارع بدون رخص قيادة أو أوراق الإقامة وكانت كلمة أنا مصرى تكفى للمرور، لكن بدأت المناوشات بعد أن وقعت الدولتان فى مجموعة واحدة فى التصفيات، إلى أن وصلنا للمباراة الأولى التى جمعت المنتخبين فى استاد بليدة بالجزائر، فكنا مع المنتخب فى كل تحركاته فى الجزائر، وشاهدنا المضايقات التى تعرضوا لها، والتى وصلت إلى درجة أن الجماهير الجزائرية توافدت على فندق «ماركير» الذى كانت تقيم فيه بعثة المنتخب، وظلت طيلة الـ48 ساعة السابقة للمباراة يطبلون ويتغنون حتى لا يعطوا الفرصة للاعبين للنوم، وللأسف حدث ذلك تحت حماية الشرطة الجزائرية التى قامت بتأمينهم.
ويكمل محمد «بعد خسارة المباراة كانوا يقولون لنا فى الشوارع إحنا رايحين كأس العالم بالسلاح والقتال، أنتم أخذتم كأس أفريقيا مرتين كفاية عليكم كده»، وشاهدنا عمليات الاستفزاز التى كانت تقوم بها الصحف الجزائرية التى وصلت إلى تصوير حسن شحاتة وهو يرتدى فستان عروس، ورابح سعدان بالعريس وكتبوا تحت هذه «دخلة الجزائر ستكون فى القاهرة فى 14 نوفمبر».
ويضيف محمد «قبل مباراة السبت قبل الماضى بيومين شعرنا أن هناك أمورا غير طبيعية تسير، فقررت إعطاء موظفى الشركة إجازة أسبوعا بمن فيهم العاملون الجزائريون- الشركة بها 35 مصريا و60 جزائريا- تلافياً لحدوث أى احتكاكات، وبعدها اتصل بى محمد عيسى المستشار العمالى المصرى فى الجزائر والسفير أيمن طموم المستشار فى السفارة وحذرونى مما قد يحدث لنا عقب المباراة، وأخذوا أسماء العاملين المصريين بالشركة، وأعطونا تعليمات بأن نجلس فى بيوتنا عقب المباراة، وفى يوم المباراة وبعد انتهائها بفوز منتخب مصر اتسم الموقف فى الجزائر بالهدوء، إلى أن صدرت صحيفة الشروق الجزائرية صباح السبت وزعمت أن هناك أربعة جزائريين قُتلوا فى مصر ونعوشهم ستصل للجزائر فى المساء، بعدها انتشرت الشائعات عن الجزائريين الذين قتلوا فى مصر، فخرج الجزائريون فى الشوارع مثل المجانين، وعندما كانوا يجدون أى مصرى لا يتركونه سالماً، لدرجة أنهم ظلوا يلاحقون مصريين إلى أن اختبآ داخل فندق حتى أخرجتهما الشرطة فى زى عسكرى لكى لا يتعرف عليهما أحد».
ويواصل محمد رصده لمعاناته بقوله «فى الثامنة مساء الأحد قبل الماضى وجدت شخصا يطرق باب منزلى وعندما فتحت له وجدته ممسكا بسيف فى يده وخلفه طابور من الجزائريين، فقمت بغلق الباب قبل أن يهجموا على، فبدأوا فى تكسير الباب إلى أن خرج الجيران وصاحوا فيهم فهربوا، وفى هذه اللحظة أصيبت أسرتى بالهلع لدرجة أن ابنتى الصغيرة التى لم تتجاوز الأربعة أعوام وقفت فى البلكونة وكانت تقول «أنقذونا»، وعندما نظرت من البلكونة وجدت أكثر من ألف جزائرى فى الشارع أمام العمارة التى أسكن بها يشعلون الشماريخ ويتغنون بالنشيد الوطنى الجزائرى، ويقولون «القصاص من المصريين اليهود»، وعندما اتصلت بالشرطة على أرقام 17 و2448 لم يرد على أحد فقمت بالاتصال بالسفارة التى أرسلت الشرطة الجزائرية لإنقاذى، ولكن كانت المفاجأة أن الشرطة التى حضرت لإنقاذنا من ألف جزائرى هم ثلاثة يرتدون الملابس الميرى وآخر يرتدى ملابس مدنية، وكانت نصيحتهم لى أن أطفئ الأنوار والتليفزيون حتى يقنعوا الجماهير أننى رحلت مع أسرتى من المنزل، ولم يكن أمامى إلا الاستجابة لهم، فظللت محاصرا أنا وأسرتى داخل الشقة، وفى ذات الوقت علمت أن مقر الشركة تعرض للهجوم من الجزائريين، وقاموا بنهب ما فيه من بضائع، ووصلت خسائر الشركة إلى 40 مليون جنيه، وعلمت بعد ذلك أنهم عندما هجموا على الشركة لم يجد العاملون المصريون سوى التسلق عبر الأسطح ومواسير المياه مثل الحرامية للهروب منهم إلى أن قامت الشرطة الجزائرية بتجميع بعضنا فى مكان قريب من المطار استعداداً للرحيل إلى مصر».
ويضيف محمد «فى صباح يوم الاثنين وصل إلى المطار 17 شخصا وقاموا بوضعنا فى ذات الصالة التى كانت تحوى الجماهير الجزائرية التى حضرت إلى المطار للحصول على تذاكر السفر للسودان لحضور المباراة الفاصلة، لأن السلطات الجزائرية أعلنت أن كل تذاكر السفر للسودان ستتوافر فقط فى المطار، فقام صديق جزائرى- رفض الإفصاح عن اسمه- تصادف وجوده فى المطار بالحجز لنا من الداخل، ووصلت المجموعة إلى مصر بحمد الله، وبقيت أنا لكى أبحث عن بقية العاملين فى الشركة وفروعها الخمسة، وأرصد الخسائر التى لحقت بالشركة، وعندما خرجت من المطار مع صديقى الجزائرى أخذنى بسيارته إلى مكان فى وسط الجبل لأختبئ به، وهو مكان كان يختبئ به الإرهابيون، إلى أن عثرت على بقية العاملين فى الشركة وسافرنا إلى القاهرة عبر ليبيا وفرنسا».
ويشير محمد إلى أنه خلال الساعات التى قضاها فى الجزائر للبحث عن بقية العاملين المصريين كان يسمع من الجزائريين فى الشوارع أنه مكتوب فى الصحف الجزائرية أنه تم الإفراج عن خمسة آلاف مجرم ومسجل خطر لكى يحضروا المباراة الفاصلة فى السودان، وأنهم سيتم نقلهم من خلال طائرات القوات الجوية الجزائرية. محمد الذى كلما تحدث عن المعاناة التى عاشها فى الجزائر يتذكر أمراً آخر، وهو كيف سيدبر حياته خلال الفترة المقبلة بعد أن خسر كل شىء، وبنبرة بها حزن قال «ذهبنا للجزائر ومعنا فلوس وعدنا اليوم بلا مليم واحد».
أيمن رفيق محمد فى المعاناة وشقيق زوجته فى ذات الوقت يرى أن للمعاناة التى عاشوها فى الجزائر أسبابا عديدة، أهمها على الإطلاق كما قال عملية الشحن الإعلامى الذى قامت به الصحف الجزائرية، خاصة صحيفة الشروق الجزائرية التى قال عنها أيمن «حسبى الله ونعم الوكيل فيها، لأنها السبب فيما حدث لأنها صورت الأمر وكأنه حرب». رغدة زوجة محمد قالت إن لحظات الرعب التى عاشوها أثرت عليها وعلى أبنائها الصغار، وامتدت لأسرتها التى عاشت أسوأ لحظات عمرها.