مع حلول عيد الأضحى المبارك، تقبل كثير من الأسر المصرية على شراء خروف الأضحية لإقامة شعيرة النحر التي حض عليها الدين الإسلامي، وتنتشر في شوارع المحروسة قطعان لا قبل لأحد بها من هذه الخراف التي تتباين أنواعها وأسعارها وفقا للعلف المستخدم في تسمينها وعمرها وحالتها الصحية التي تنعكس بدون شك على طعمها وقيمتها الغذائية بل وعلى كمية اللحم المستخرج منها.
ولم يفسد فرحة المصريين بهذه المناسبة المبهجة سوى غش بعض التجار معدومي الضمائر الذين يلجأون لأساليب غير أخلاقية لخداع المشترين، يأتي على رأسها دس الملح بكميات كبيرة في الطعام المقدم للخروف حتى يشرب كميات كبيرة جدا من الماء تعطي زيادة وهمية في الوزن وترفع سعره تبعا لذلك.
كذلك يعمد المربون لتربية هذه الأغنام والماشية في "مقالب الزبالة" بدلا من تقديم الأعلاف والبرسيم والفول بزعم أنه غذاء مكلف لا يقدرون عليه، بدون أدنى مسئولية عما قد يسببه ذلك من أمراض لمن يتناول لحومها، فالمهم هو تحقيق المكسب السريع ولو على حساب تدمير صحة البشر.
وقد سجلت عدسة شبكة الإعلام العربية "محيط" لقطات خطيرة تصور انتشار مئات الخراف في أحد مقالب القمامة التي كانت حظيرة للخنازير بمنطقة الخصوص ـ بمحافظة القليوبية شمال العاصمة القاهرة ـ لسد جوعها، في حين يتظاهرون في الأسواق بتقديم الغذاء النباتي لهذه الحيوانات وطبعا الزبون آخر من يعلم.
الطريف في هذه اللقطات أن طائر أبو قردان، شبه المنقرض، اختار أن يقف على ظهر هذه الخراف كما يبدو في الصور ولا ندري ما سر هذا، ربما يريد إرسال تحذير لهذا الخروف على طريقة العبارة المحفورة في ذاكرة المصريين عن أحد أفلام العملاق عماد حمدي: "إلى احمد إبراهيم القاطن بدير الملاك، لا تأكل هذه القمامة، لأن فيها سم قاتل".
ويفاجأ المشتري بعد ذبح الخروف أنه وقع ضحية لعملية غش خطيرة، حيث يعثر في أحشائها على بقايا القمامة هذه من أكياس وقاذورات حتى أن بعض الأسر تمتنع عن تناول طعام هذه الذبائح أو حتى توزيعها على المحتاجين من باب أن التصدق يجب أن يكون من منبت حسن.
في حين تضطر باقي الأسر ـ تحت وطأة ارتفاع الأسعار ـ لسد الأنفين وإغماض العينين وإسقاط الذاكرة والتهام لحومها وعلى رأي المثل الشعبي المصري "ضربوا الأعور على عينه قال ما هي خربانة خربانة".
على صعيد ميداني.. باتت ملايين الأسر المصرية محرومة من الاحتفال بعيد الأضحى المبارك الذي يهل بعد أيام ، بسبب القفزة الخطيرة التي شهدتها أسعار اللحوم البلدية في مصر، حيث ارتفع سعر كيلو اللحم المشفى إلى 50 جنيه للقطع العادية، بينما وصل سعر القطع الممتازة مثل الفليتو والانتركوت إلى 70 و 80 جنيه، في حين بلغ سعر لحوم الضأن إلى 52 جنيه علما بأن العظام تشغل أكثر من 50% من وزنه.
وقد واكب عاصفة ارتفاع الأسعار هذه اشتعال أسعار خروف العيد الذي تراوح متوسط سعره ما بين 1000 و1800 جنيه بعدما وصل سعر الكيلو القائم منه إلى 25 جنيه في مقابل 20 جنيه العام الماضي، مما يحرم الكثيرين فرحة اقتنائه للتضحية به وهي أهم مظاهر الاحتفاء بعيد النحر للتصدق بجزء من لحومه على الفقراء والمساكين.
وقد بدأ تجار الأضاحي منذ أيام وسوف يستمرون على حالهم إلى يوم العيد في رفع أسعار المواشي، فلا تكاد تمضي عليك دقائق وأنت في الطريق إلا وتمر عليك شاحنة مليئة بالبقر والأغنام والخرفان.
وبطبيعة الأحوال لم تقف العجول والماشية مكتوفة الأيدي أمام "تسونامي" الأسعار هذا، حيث رفع التجار أسعار بيعها ليصل سعر "البطش" الصغير إلى 2500 جنيه مصري ـ متوسط وزنه حوالي 120 كيلو ـ بينما تراوح سعر "العجل" المتوسط ما بين 5 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه.
وهكذا الحال مع البعير، حيث وصل سعر الناقة المتوسطة إلى 4000 جنيه ـ في حدود 200 كيلو ـ بزيادة حوالي 1000 جنيه على أسعار بيعها في العام الماضي.
وكعادة أباطرة الماشية كل عام يضغطون على الوتر الحساس في معادلة الشراء والبيع"العرض والطلب"، هذا رغم وفرة الماشية في أغلب البلدان العربية رغم وجود فائض كبير منها، لكن التجارة شطارة، والتجار لا يتوانون عن تعطيش السوق بضخ دفعات قليلة من الماشية في أيام ما قبل العيد حتى يتسنى لهم ورفع السعر إلى الحد الذي تتحقق لهم معه معدلات ربح خيالية وغير طبيعية.
وقد أعلن كل من البط والأوز انتفاضة في الأسعار حيث وصل سعر كيلو البط البلدي إلى 25 جنيها في مقابل 21 للمزارع ، أما الأوز فكان أقل رأفة بأحوال البشر حيث وصل سعره إلى 18 جنيها للكيلو، وقد ظهر لكليهما منافس شرس يتمثل في البديل الصيني حيث يباع كيلو البط الصيني المذبوح بـ 17 جنيها والحي بـ 12 جنيه فقط.
كما صاحب ارتفاع لحوم الضأن والأبقار ارتفاع في أسعار الدواجن يصل إلى نحو 40 % فيباع سعر الدواجن البلدية المزارع بسعر 15 جنيه مقابل 11 جنيهات قبل أسبوع، أما الدواجن البلدي الخالصة فوصل سعرها إلى 18 جنيها للكيلو.
وفي المقابل تبدأ المجمعات الاستهلاكية بيع اللحوم المستوردة من دول أوروبا الشرقية، مثل أوكرانيا ومولدوفيا، بعد رفع الحظر المفروض على استيراد اللحوم من أوروبا عموما، بسبب مرض جنون البقر قبل عدة سنوات، ويلقى إقبالا كبيرا من جانب غالبية الأسر البسيطة، وكذلك الجمعيات الخيرية، التي تسعى لشراء كميات كبيرة من اللحوم والخراف والأغنام والأبقار المستوردة، وذبحها وتوزيع لحمها علي المحتاجين.
وفي ملمح اجتماعي رائع يعكس التكافل بين المسلمين، استعدت عدة جمعيات خيرية لمساعدة العديد من فئات الشعب المصري، في مجالي توفير ملابس العيد الجديدة للأطفال المحتاجين، وشراء اللحوم والأضاحي لتوفير اللحوم لهذه الأسر بعدما ارتفعت أسعار اللحوم.
كما بدأت العديد من الجمعيات الخيرية مشاريع هامة لتوفير الأضاحي للفقراء، أو تولي عمليات الشراء والذبح والتضحية بالذبيحة، نيابة عن الشخص المضحي، فيما ظهرت فكرة الأضحية الجماعية، التي تقوم على تكافل أكثر من أسرة في شراء بقرة، بهدف تخفيض نفقات شراء الخراف الحية الأغلى ثمنا، وتوزيع اللحم على الفقراء وعلى الأسر المشاركة في الأضحية.