متابعة وتصوير ـ أمير الصراف وإبراهيم قراعة في شارع ضيق مظلم لا يتسع إلا لمرور شخص واحد بمدينة فرشوط التي تقع شمال نجع حمادي بكيلو مترات تقطن أسرة مينا حلمي سعيد احد الضحايا الذين لقوا حتفهم في مذبحة نجع حمادي البشعة التي راح ضحيتها 6 أقباط ومسلم وإصابة 9 آخرين. طرقنا باب المنزل القديم المبني من الطوب اللبن وفتح الباب شقيق الضحية »عماد« عرفنا طريقنا إلي المكان الذي سوف نجلس فيه من خلال ضوء الذي كان ينطلق من غرفة ضيقة والتي يمكنك من خلالها معرفة مستوي معيشة تلك الأسرة الحزينة التي فقدت أحد أفرادها والذي كان يعمل وهو يدرس ليشارك شقيقيه »عماد وميلاد« في تحمل أعباء المعيشة ونفقات علاج الأم المسنة المريضة. داخل الغرفة التي يكسو الفقر كل جنباتها جلس الأخ الأكبر للضحية عماد »عامل في محل ملابس« ليسرد تفاصيل الحادث المشئوم ليلة عيد الميلاد، واليوم الذي خرج فيه شقيقه بلا رجعة، يقول تربط شقيقي »مينا« علاقة قوية برفيق رفعت وليم الذي قتل في الحادث أيضا فهو يعمل معه في محله بمدينة فرشوط منذ فترة وتعود أن يبيت معه في منزله، وفي الليلة المشئومة كان شقيقي متوجدا بالمنزل قبل الحادث بنصف ساعة حتي حضر إليه رفيق بسيارة تاكسي ليصحبه لمنزله بنجع حمادي وبعدها سمعنا أن هناك إطلاق نيران في شوارع نجع حمادي اتصلت بشقيقي علي هاتفه فوجدته مغلقا، يصمت »عماد« وتنساب من عينيه الدموع ويتدخل جيرانه الذين توافدوا علي المنزل لمواساته وتقديم واجب العزاء له، ويكمل حديثه: اتصلنا بالمستشفي فلم نجده ضمن المصابين أو القتلي في الحادث، وفي الفجر جاءنا ضابط شرطة وطلب من أخي الأكبر »ميلاد« الذهاب معه للمستشفي قائلا له ان شقيقي »مينا« مصاب ، وذهب معهم أخي ليجده قد فارق الحياة بعد أن أمطره القتلة بأعيرة نارية في أنحاء متفرقة من جسده وعرفنا بعد ذلك أنه أثناء سيره مع صديقه في الطريق من فرشوط إلي نجع حمادي استوقفهما القتلة وأنزلوهما من السيارة وأطلقوا عليهما الرصاص بلا رحمة كنا نستعد للرحيل حتي دخلت الأم وهي متشحة بالسواد.. كانت مثل كل الأمهات اللاتي يفقدن أبناءهن قالت »أم ميلاد« لم اعرف حتي الآن النوم منذ الحادث واشعر بنار في صدري قتلوا ولدي الصغير الذي لم يهنأ بحياته وكان يعمل منذ طفولته ليساعدنا في تسيير أمور المنزل وحرموني من رؤيته للأبد حولوا فرحة العيد إلي مأتم أدعو الله في كل صباح ومساء أن يجازيهم وأن يشربوا من نفس الكأس التي شربنا منها. تركنا مدينة فرشوط لنعود لمدينة نجع حمادي وكانت الساعة تقارب التاسعة مساء بسيارة خاصة بعد أن انقطعت المواصلات بسبب الأحداث، علي مشارف المدينة الخائفة والتي بدت في تلك الساعة المبكرة من الليل مدينة أشباح حيث كانت الشوارع خالية والمتاجر مغلقة عدا بعضها الذي كان يفتح أبوابه علي استحياء. سألنا عن بيت الضحية بيشوي فريد لبيب اصغر القتلي في مذبحة نجع حمادي . فوصلنا لمنزله جنوب المدينة بشارع 15مايو كان المنزل مليئًا بالنسوة المتشحات بالسواد اللاتي يخرجن من الباب الرئيسي، نادينا علي الأب فريد لبيب »مهندس بالمعاش« نزل الرجل إلينا بخطي متثاقلة، صافحنا وهو شارد النظرات من هول الحزن والصدمة التي ألمت بأب فقد ابنه الوحيد في الحادث. قال: خرج »بيشوي« 16سنة ويدرس بالصف الأول الثانوي مبكرا في ليلة العيد الساعة الخامسة عصرا برفقة أصدقائه الذين قتلوا معه في الحادث للذهاب لحضور صلاة عيد الميلاد بكنيسة مار يوحنا وفي طريق عودته للمنزل في شارع 30 مارس أطلقوا عليه النار وكنا ننتظره ليتناول معنا العشاء أنا ووالدته وشقيقتاه واتصل بنا احد أصدقائه »انطونيوس أنسي« الذي استطاع أن يهرب من طلقات الرصاص ونزلت إلي الشارع لأجده ملقي علي الأرض وهو غارق في دمائه. ويضيف الأب المكلوم: لا اعرف لماذا فعلوا ذلك بولدي؟ ما هي جريمته ليقتلوه ؟ انهوا حياته في ثوان معدودة لنعيش أنا ووالدته في حزن عليه حتي الموت، وأكمل حديثه قائلا: ولدي كان مهذبا ومتفوقا في دراسته وكان حلمه الالتحاق بكلية الهندسة وكان زاهدا في مأكله ومشربه وأحتسبه عند الله شهيدا.
