تكاد تكون مدارسنا أكثر مدارس العالم الإسلامي اهتماما بوفرة مواد الدين وحصص القرآن الكريم؛ فنحن ندرس القرآن وتجويده منذ الصف الأول الابتدائي وحتى الجامعة؛ ناهيك عن وفرة مدارس تحفيظ القرآن الكريم وما تخرجه لنا من حفظة وحافظات؛ ورغم كل ذلك فإن بعضنا وليس الجميع يبذل جهدا في حفظه أو يكتفي بتلاوته مرات؛ خاصة في رمضان؛ تجد قراءته مجرد أداء صوتي؛ بل بعضنا يقرؤه دون تجويد ولا يحتاط لقواعد الإعراب؛ التي أهلك المدرسون والمدرسات رؤوسنا بتعلمها طوال سنوات التعليم العامة؛ ناهيك عن إهمال استيعاب حكمه وعبره أو تأمل بلاغته و فكره خلال قراءته.
ويزداد الأمر سوءا؛ حين ترى بعضا ممن عُرفوا بحفظه وتلاوته يتصفون بسلوكيات وأخلاقيات تنافي أخلاق القرآن والدين؛ كبعض أئمة المساجد ممن قرأنا عن مصائبهم عبر الصحافة؛ فهذا اختلس أموال التبرعات؛ وذاك تستر على ساحر ولم يخل جواله من مقاطع إباحية؛ وآخر يتحرش بالأطفال؛ وغير ذلك مما خفي أمره؛ ناهيك عن ممارسة كثيرين "منّا" للكذب والنفاق والرياء والفتنة والسباب والبغض وغيرها في حياتنا اليومية؛ ليأتي الواحد منّا بعد ذلك وببساطة يخصص "الجمعة" لقراءة القرآن؛ ثم يعاود ذات الممارسات السيئة يوم السبت؛ والسبب أن هؤلاء وهؤلاء إنما قرؤوا القرآن وحفظوه ظنا وطمعا بحسنة مضاعفة لكل حرف فيه؛ كي تمحو سيئات أعمالهم التي يستمرون في ممارستها؛ ونسوا أن الطمع يقلّ ما جمع !
إن قراءة كتاب الله تتطلب جهدا يُبذل في تدبره وتأمله بقصد التعلم والفهم المنتهي بتطبيقه؛ لقوله تعالى:"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"؛ ؛ ولهذا السبب كان لقراءته أجر مضاعف؛ فكما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها؛ لا أقول ( ألم) حرفا؛ ولكن ألف حرف؛ ولام حرف؛ وميم حرف" والمقصود بـ"من قرأ" في الحديث أي "من تدبر وتفكر" بكل حرف فيه ناهيك عن كل كلمة وجملة؛ قاصدا الفهم ليتعلم؛ وفي الحديث ما يدفع لهذا المعنى خاصة حين ندرك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم؛ حيث استشهد بـ"ألم"وهي حروف ابتدأت بها سورة البقرة؛ وليست كلمة لها معنى ظاهر؛ وب قراءتها تستفز العقل "الحي" ليتدبر استخدامها القرآني؛ ولو كان غير ذلك؛ أي المعنى الظاهر الذي فهمه مُعظمنا من أن الحسنة المضاعفة تتحقق من مجرد فعل القراءة فقط ؛ لكان عليه الصلاة والسلام استشهد بكلمة لها معنى كـ "حق" أو "أرض" مثلا؛ فلا تستفز السؤال؛ ولا تحتاج التدبر المقصود من فعل القراءة.
سأتوقف بسبب سجن المساحة، ونكمل غدا إن لم يحبسني حابس