محبطين يكرهون الحياة، ضعفاء أمام المشاعر، يحاولون الانتحار لكنهم يفشلون، رغم أن الانتحار ليس هدفاً لهم، يقدرون مشاعرهم، يبحثون عن ذاتهم، يقولون أن العاطفة قوة لا يجب أن نخجل من التعبير عنها، اشتهروا بكتابة الأشعار الحزينة، يعيشون حياتهم في حزن دائم، يجرحون أنفسهم فلديهم لذة في إيذاء النفس والشعور بالألم، يعتبرون الألم الجسدي وسيلة للتخلص من الألم النفسي، يعتقد البعض أنهم امتداد لعبدة الشيطان لكنهم ينفون ذلك عن أنفسهم، فهم ليس لهم ديانة محددة.
ومنذ عدة أيام انتشر في وسط العاصمة عدة رسومات لرجل بدون رأس يمسك بيده "مكنسة" أشار البعض أنها رسومات تحمل شعار هذه الجماعة وهي تعني "حرية بلا حدود" رغم نفي المسئولين نسبة هذه الرسومات لهم.
بدءوا في التعارف والانتشار عن طريق مجموعات الفيس بوك على الإنترنت ثم تكوين مجموعات تعارف في عدة جامعات مصرية، تتراوح أعمار المنتمين لهذه الجماعة من عمر 13 إلى 18 عام وهي مرحلة المراهقة الوسطى (14-18 عاماً) التي تتميز باكتمال التغيّرات البيولوجية.
البعض يرى أن أعضاء هذه الجماعات هم امتداد لعبدة الشيطان وهم عبارة عن مرضى نفسيين، يتعاطون المخدرات بأنواعها مع الموسيقى الصاخبة ظناً منهم أن هذه هي الحياة ولا تتحقق المتعة إلا بهذه الطريقة.
في هذا التحقيق نحاول رصد لهذه الجماعة الجديدة ونحاول تحليل أسباب نشأتها وانتشارها بين الشباب في مصر، هل البحث عن الانتماء المفقود والهوية الضائعة؟ أم مجرد مراهقة شبابية سرعان ما تزول
لذلك التقينا ببعض من الشباب الجامعي وغيرهم لاستطلاع رأيهم، وفي النهاية استطلعنا رأي خبيرة في علم النفس.
جماعة "الإيمــو" *مَن هم جماعة "الايمــو"؟
Emo مشتقة من الكلمة الإنجليزية Emotion وتعني العاطفة أو الانفعال، ومستخدمي برامج الشات مثل الماسنجر يدركون معنى استخدام أيقونات التعبير عن المشاعر، وهي اختصار أيضاً لمصطلحEmotive Driven Hardcore Punk ويعني متمرد ذو نفسية حساسة.
يقولون عن أنفسهم أنهم نمط "استايل" جديد للحياة، يميلون إلى الموسيقى الحزينة ذات الكلمات الحساسة مثل الروك والميتال.
*نشأتهم:
نشأت جماعة "الايمو" لأول مرة في "واشنطن" عام 1985 ومنها لكل دول العالم، وذاع صيتها في العالم العربي وخاصة مصر بين الشباب المراهق الذي أخذ الموضوع باعتباره مجرد نمط "استايل" أو "نيو لوك" جديد.
ومع انتشار الإنترنت وبرامج "الشات" وموقع "الفيس بوك" ظهرت جروبات لهم على "الفيس بوك" فهناك جروب "إيمو مصر" والذي انضم له حتى كتابة هذه السطور 656 عضو ونفت فيه أمنية خالد كون الايمو جماعة مثلية واعتبرت ذلك إشاعات من كارهي الايمو.
ملابس الايمـــو*ملابس الايمـــو:
يلبسون في العادة ملابس قاتمة أو سوداء لإحساسهم بالحزن الداخلي، وسراويل "بناطيل" ضيقة جداً أو فضفاضة جداً وهذه الملابس تحمل أحياناً كلمات من أغاني الروك المشهورة.
شعر الذكور طويلاً يغطي إحدى العينين والمغزى في ذلك أنهم لا ينظرون لشكل ومظهر الإنسان الخارجي الذي يتحدثون إليه لكنهم يركزون على الجوهر الداخلي.
*آراء الشباب:
فيبي طالبة بكلية التجارة بطنطا: سمعت عن هذه المجموعة وقالت عنهم "العيال دي هبلة، الجروح ممكن تعمل تلوث وممكن الأمراض تنتشر بالعدوى والبناطيل الضيقة مش كويسة للولاد وللبنات كمان، والشعر لما ينزل على العين هيحول وممكن يطرف العين، والتعبير عن مشكلهم بالكتابة والشعر حاجة كويسة بس دي مجرد طريقة للتعبير لكن مش حل، من الأخر عيال هبلة وفاضية وشوية مراهقين.
ورفضت فيبي ملابس وأفعال هذه الجماعة قائلة "يروحوا يذاكروا ولو كلمتين يمكن ينفعوا، ويروحوا يلبسوا بناطيل أوسع من كده... إيه المسخرة دي... العقل زينة.
واختتمت فيبي حديثها بنبرة حزينة قائلة: يعني إحنا المفروض نعمل إيه بقى، نعمل صوان وعزا ونوقف الستات تاخد العزا في الرجولة اللي راحت، بس نرجع ونقول كل واحد حر.
أما ديانا طالبة بكلية العلوم فلا تبدي تخوّف من جماعة الايمو فتقول: مفيش خوف من الايمو في مصر.. لأنهم استايل وطريقة لبس مش أكتر، أنا معنديش مشكلة أنهم يكونوا من أصحابي لأن أفكارهم مش متطرفة ولا حاجة وممكن يكون ليهم علاقة بربنا كويسة كمان بس لفت الانتباه هدفهم، أنا من الناس اللي بحب البس الغوامق وأبقى مع ناس شبهي بيفكروا بطريقتي لكن بتعامل مع كل الناس مفكرتش إني انضم لفكر معين علشان اعمل تغيير، ممكن الإنسان يعمل تغيير بمبادئه لوحده (يبدأ بنفسه).
وتضيف ديانا: أنا بقدر جداً إحساسهم بقيمة المشاعر وإن الحياة ليها معنى.. وبالرغم من محاولات انتحارهم العديدة فهي فاشلة، لأنه الحقيقة مش سهل يتنازلوا عن الحياة.. أنا بحترم الرأي الآخر حتى لو كان ضدي وبحاول أفهم وجهة نظره يمكن نتلاقى ونعمل التغيير.
وتشير طالبة كلية العلوم إلى حق أي إنسان في اعتناق الفكر الذي يروق له أو ارتداء الملابس التي تناسبه بدون أن يسبب ضرر للآخرين وفي ذلك تقول: أنا ضد أي انتهاك لحق أي إنسان علشان شكله أو لبسه أو أفكاره.. والأفضل نوجه طاقتهم صح.. دول قدروا يجمعوا الناس بأعداد كبيرة حواليهم يأيدوهم، أشخاص مؤثره زي دي مش لازم تهمل, التحرر من القديم مش حاجة غلط، التطور مهم بس بالطريقة الصح مش لازم كل حد يخاف من الناس وميبقاش عنده الشجاعة أنه يقول أنا موجود.. لكن بالطريقة الصح اللي مفيهاش أذى لحد.. حتى لو مبرره أنه الحد اللي بيأذيه نفسه.
الدكتور هشام صفوت كتب على الإنترنت صارخاً وشاكياً من هذه الجماعة، مشيراً إلى التدهور المستمر لحال الشباب المصري على كافة المستويات سواء كانت الاجتماعية - الأخلاقية - الصحية - التعليمية - الثقافية - الدينية مؤكداً خطورة هذه المشكلة كون الشباب يشكلون الطاقة البشرية للمجتمع ويرفض صفوت قبول المجتمع المصري أن يكون الشكل العام له "مخنثاً" بهذه الفجّة.
ويضيف: الشذوذ الجنسي انتشر بصورة رهيبة بين الشباب الجامعي وبعد الجامعي وأصبح ظاهرة الـ Gay في طريقة الكلام والتصرفات والمظهر الخارجي، يعني ما بقاش عيب عندهم أن الناس تلاحظ عليهم كدة. وهذا التبجح العلني انسحب على الشكل الأخلاقي للشباب من الجنسين، البنات أصبحت أجرأ في التصرفات اليومية وفي اللبس أيضاً لعلمهم إن الشباب بقى غلبان أوي ومافيش منه خطر عليهم... إلحقوناااااا قبل ما البلد دي تضيع بسبب هذه التيارات الموجهة لتدميرنا.
شريف حسني *الأب الروحي لجماعة الإيمو في مصر:
شريف حسني -الأب الروحي للإيمو شريف حسني- الأب الروحي للإيمو كما يلقبونه لأنه أول مَن أسس هذه الجماعة الخاصة بالإيمو في مصر ودعا لاجتماع عمل في سيتي ستارز بمدينة نصر وحضر الاجتماع بعض الأعضاء من القاهرة والإسكندرية.
قال شريف الذي استضافه الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج "الحقيقة" على قناة دريم: أن كل البشر لديهم عاطفة ولكن جماعة "الإيمو" لا تخجل من الاعتراف بها أمام الجميع، ويضيف شريف أن لدى الإنسان غريزة وعقل وإحساس ومعظم الشباب في مصر يسير بالغريزة.
وعن بداية انضمامه إلى "الإيمو" قال: عندما أصابتني نوبة من الاكتئاب وأثناء دخولي على النت قرأت عن مجموعة "الايمو" وأعجبت بفكرهم وطريقة تعبيرهم عن مشاعرهم ولهذا قررت عمل مجموعة على الفيس بوك وتعرفنا على بعض.
ويؤكد شريف أن "الإيمو" طريقة معيشة وتفكير وليس ملبس ومظهر فقط، ورفض شريف تقليد "إيمو" الغرب، واكتشف شريف على جروب الفيس بوك أن هناك في مصر مَن يقلدون ما يفعله "إيمو" الغرب عن طريقة تعذيب النفس وتقطيع أيديهم لكي يتخلصوا من الألم النفسي بالألم الجسدي وكانوا تقريباً ثلاثة أفراد.
ويضيف شريف قائلاً: نحن في مصر لا نتبع أسلوب "الإيمو" في الغرب فنحن لا نقطع أيدينا ولا ننتحر ولكن هناك بعض الشباب الذين يقلدون الغرب ولكن ليس بهذه الطريقة البشعة... فنحن بعض الشباب الذين يفصحون عن مشاعرهم ليس أكثر.
أما دينا نشأت فهي إحدى عضوات الإيمو سابقاً في مداخلة هاتفية لها مع برنامج "الحقيقة" قالت أنها لا تهتم بلوم الناس على مظهرها الذي كانت تحبه لكنها تركته لكثرته في مصر، واعتبرت دينا أن معظم الشباب المصري الذي انضم للإيمو لإعجابهم بطريقة اللبس وموسيقى الروك ليسوا إيمو حقيقيين، ونفت دينا وجود تجمعات لشباب الإيمو في مصر لكنهم مجرد مجموعة شباب تجمعهم بعض الصفات المشتركة مثل حبهم للموسيقى والملابس الداكنة.
أحمد عبد المنعممن جانبه اعتبر أحمد عبد المنعم -أحد أعضاء "الإيمو" في مصر- إن مشكلة شباب الإيمو هي مرورهم بأزمة البحث عن أصدقاء ولا يجدوا مَن يتفهم مشاعرهم ويلفظهم المجتمع وأضاف إننا مجرد مجموعة من الشباب نعاني بعض المشاكل اجتمعنا معاً لحلها.
شباب الإيمو اتّهموا برنامج "الحقيقة" بقطع كلامهم في "المونتاج" بشكل يجعل الجمهور لا يفهمهم أو يقدّر موقفهم رافضين الاتهامات التي وجهت لهم في البرنامج بأنهم شاذين جنسياً أو من عبدة الشيطان، حتى أن الأب الروحي للإيمو وجد نفسه بعد إذاعة برنامج "الحقيقة" متهماً بقيادة تنظيم يثير البلبلة ضد أمن البلاد.
ضحايا يجب احتواءهم.
أمير من مدينة المحلة قال -بناء على ما سمعه وقرأه عن جماعة الإيمو- أنهم مجموعة شباب من سماتهم أنهم يريدوا عمل تقليعة لأنفسهم وهم لا يحتاجوا إلا لمن يسمعهم ويفهم احتياجاتهم.
"عاوزين يقولوا إحنا هنا بشكل جديد لكن متهيألي أنهم محتاجين إرشاد أزاي يكونوا أسوياء مش يغلبوا العاطفة على العقل والإرادة عاوزين يتعلموا عن التوازن.
ويلفت انتباهنا –أمير- إلى فشل الحل الأمني في معالجة هؤلاء الشباب فهم يحتاجون في رأيه إلى المشورة النفسية من خلال مشيرين واعيين، يحسنون التعامل معهم.
أحمد من مصر، كتب في تعليق له على الإنترنت مدافعاً عن جماعة "الإيمو" قائلاً: إحنا في بلد ديمقراطي ومن حقنا كشباب نعمل أي شيء سواء كان حلال أو حرام، كل واحد مسئول عن نفسه، يعني الناس الكبيرة في السن بعد ما كبروا شاطرين في الكلام وبس مش فاكرين أيامهم السودا في عصر الميني جيب... اسكتوا بقى.. انتقدوا نفسكوا الأول بدل ما تنتقدوا الناس... وبعدين مين قال إن الإيمو عبدة الشيطان أو شاذين كل دة تخريف الشباب في مصر واخدنها كا استيل بس.
ضحايا يجب احتواءهم *رأي علم النفس:
الدكتورة فيولا موريس -أستاذة علم النفس بجامعة حلوان- تقول أن أحد مشاكل المراهقة هي أزمة الهوية والبحث عن الذات، فمشكلة المراهق أنه لا يستطيع وضع نفسه على الخريطة النفسية "صغير ولا كبير" مثل الزنجي لا يستطيع أن ينتمي للطبقة البيضاء.
وتتميز مرحلة المراهقة بالصراع حيث يحاول المراهق لفت نظر الآخرين عن طريق السخرية والاستهزاء أو ارتداء ملابس مختلفة، هذا الصراع لا يستطيع من خلاله تحديد هويته "أنا مين؟ وعايز إيه؟"
وتشير أستاذة علم النفس أن ما يُعمّق هذا الأمر افتقاد المراهق للأيدلوجية "معتقد معين" يستمد منه قيم معينة لذلك نرى المراهق المصري لا يوجد لديه هوية ثقافية.
وتضيف الدكتورة فيولا موريس أن علماء النفس فرقوا بين هوية "الأنا" وهوية "الذات" فعند فرويد: نجد الأنا التي تميل للضمير فيصبح المراهق "مجرم داخلي" نتيجة لأنه يعاقب ويبكت نفسه ويشعر بالذنب والإحساس الداخلي بالحزن ثم يصاب بالوسواس القهري الذي يؤدي إلى خلل عميق في حياته.
المراهق يعيش صراعات وتقلبات ليس لدية ثبات انفعالي، لا يقدر السيطرة على انفعالاته، لديه نوع من العناد "خالف تُعرف"، عواطفه نحو ذاته، يهتم بشكله ومظهره، تنتابه حالات يأس وإحباط، يعاني من الاغتراب والتمرد، يتأرجح بين الطفولة والرشد، بين الذات الواقعية والمثالية، بين الاستقلال والاعتمادية، الهوية "أنا مين" و"عايز إيه" ؟
وترى الدكتورة فيولا للخروج من هذه الصراعات التي تواجه المراهق، احتواء الشباب المراهق وعدم التقليل من قيمتهم، ومساعدتهم على قبول أنفسهم وتوافر قدوة حسنة لهم، ومساعدتهم على تحديد هوية واتجاة خاص بالإضافة إلى إشباع احتياجاته المادية.