اسد يستريح واخر يترقب
لم تقتصر أزمة الانفجار السكاني التي تعيشها مصر على بني البشر بل امتدت لتلقي بظلالها على اللبؤات والأسود الذين يمارسون الجنس 32 مرة في اليوم، حيث تعاني حديقة الحيوانات بالجيزة، جنوب العاصمة القاهرة، من مشكلة كبيرة تتمثل في كثرة عدد مواليد تلك الحيوانات المتوحشة.
كما تشير الأرقام فإن نحو 48 أسد ولبؤة يتكلف إطعامهم حوالي 15مليون جنيه سنويا مما أدى لعجز الأجهزة البيطرية عن تدبير أي مبالغ إضافية تنجم عن زيادة مواليدهم.
وقد فشلت جميع الوسائل المتعارف عليها للتخلص من هذه الأعداد الزائدة سواء بالتبادل مع حدائق الحيوانات الأجنبية أو حتى التخلص منها على سبيل المهاداة ولم يعد أمام المسئولين سوى إطلاق الرصاص على هذه الكائنات، لكن هذا في حد ذاته حل مستبعد لمخالفته للاتفاقات البيئية التي تنص على حماية الحيوانات النادرة، وعلى رأسها الأسود، للحفاظ على التوازن البيئي وحمايتها من الانقراض.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الدكتور نبيل صدقي رئيس الإدارة المركزية لحديقة الحيوان أن الإدارة اتخذت إجراءات للحد من تناسل الحيوانات وتكدس الأسود بعد أن واجهت حديقة الحيوان بمصر مشكلة تتمثل في زيادة عدد الأسود المفترسين إلى 48 أسداً, وعدم وجود أماكن إيواء كافية لهم بالحديقة, مما أجبر إدارة الحديقة على إعطاء اللبؤة "أنثى الأسد" موانع للحمل للسيطرة على هذا التزايد.
قامت شبكة الإعلام العربية "محيط" بجولة داخل حديقة الحيوان بالجيزة لمعرفة أسباب هذه المشكلة، إلا أنها فوجئت بما يعكس الأسباب الحقيقية وراء هذه المزاعم التي روج لها المسئولون عن الحديقة للفت النظر عن المشكلة الحقيقية التي تكمن في الإهمال المتعمد لها وندرة الحيوانات التي كانت تملأ جنباتها في الماضي باستثناء ظاهرة تكاثر الأسود التي أكد صدقي أن سببها تكمن في أنها تنتمي إلى نوعية مميزة من الحيوانات تميل إلى الترابط الأسري والزهو بالنسل من الأشبال والفخر بتدريبهم على اقتناص الفرائس، وهذا ما يفسر تزايد أعدادها.
احد قرود الحديقة
وأوضح أن اللبؤة "أنثى الأسد" رغم وجودها في الأسر تنجب من ثلاثة إلى أربعة أشبال بعد فترة حمل قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ونصف شهر، ومن الطريف أنها ما تلبث أن تعاود الحمل من جديد دون النظر إلى الأماكن التي ستضمها مع أشبالها، مشيرا إلى أن الأسود ثروة قومية، لذلك لا يمكن بيع الحيوانات أو التصرف فيها, كما أن مصر ملتزمة باتفاقية "سايتس" لحماية الحيوانات النادرة والمعرضة للانقراض والتي تجرم الاتجار بالأسود، وأن الأسود تكلف ميزانية الدولة 15مليون جنيه سنويا لإطعامهم وعلاجهم.
ندرة الحيوانات
ومن أهم الأشياء التي لفتت الأنظار عند كثير من رواد الحديقة ندرة الحيوانات بها وفراغ معظم الأماكن التي كانت تمتلئ بها جنبات الحديقة بالحيوانات النادرة ومن أهمها الزرافة والتي كانت محطة للفت أنظار الأطفال في الماضي لتميزها بالطول والشكل الجميل الذي يبهر الصغار، وكان لغيابها أثر في انتقادات كثيرة وجهها بعض زائري حديقة الحيوان بالجيزة .
وأكد عدد من رواد الحديقة أنهم يحبون حديقة الحيوان ويحرصون على زيارتها باستمرار لكنهم انتقدوا مستوى نظافة الحيوانات والأقفاص التي يعيشون فيها وافتقاد الأطفال للـ"زرافة".
وقالت أم عمر (ربة منزل) أنها جاءت خصيصا لتشاهد هي وأبناؤها الحيوانات التي اعتادت على مشاهدتها وتعرف أبناءها كل واحد منها، إلا أنها فوجئت بأن الحديقة أصبحت خاوية ولا يوجد بها سوى الأسود وبعض فصائل الشمبانزي والفيل والجمل، وأنها لم تستطع أن تشاهد باقي الحيوانات التي تعرفها مثل الغزال والزرافة والنمر وغيرها.
فيما أكد محمود عبده (موظف) - زائر للحديقة برفقة ابنتيه سماح وهبة - أن الحديقة تدهورت كثيرا عن الـ20 عاما الماضية، فالحيوانات غير نظيفة ولا يتم الاعتناء بها بشكل كاف سواء من ناحية التغذية أو العلاج ، مشيرا إلى انبعاث رائحة كريهة خاصة عند أقفاص الضباع والأسود وعفونة المياه التي تعيش فيها الحيوانات.
اسد
وأضاف أنه لا توجد لوحات إرشادية توضح أماكن الحيوانات ولا توجد تعليمات عن كيفية التعامل مع الحيوانات، والأطفال تحب أن تطعمها لذا نعطى الحارس نقودا (بقشيش) حتى يفرح الأولاد، مما يثقل كاهلنا بالمصاريف".
وقالت أم فاطمة - زائرة – إنها جاءت مع ابنتها لتتمتع بمشاهدة الحيوانات مع ابنتها، إلا أنه فوجئت بما شاهدته من أشجار مقطوعة وملقاة في الطرقات، ومهملات محروقة والقمامة الملقاة عند مدخل الحديقة وداخل جنباتها ، هذا غير تكرار نوعيات محدودة من الحيوانات، ولا يوجد أي حيوان نادر أو مميز، فيما تتوافر كلاب الحراسة التي "زهقنا" من رؤيتها في الطرقات والشوارع !.
فيما اشتكت أخرى من ارتفاع أسعار تذاكر الحديقة التي وصلت إلى جنيهين وسوء معاملة موظفي شباك التذاكر للجمهور مع زائري الحديقة بإجبارهم على قطع تذاكر لأطفالهم الصغار الذين لم يبلغوا 8 سنوات وهو ما أكهلهم، حيث أكدت أنها دفعت 12 جنيها لتزور الحديقة هي وأولادها الخمسة، ورغم ذلك لم تستمتع بما جاءت لمشاهدته هي وأبنائها، بعد أن كانت الحديقة هي المكان الوحيد الذي يستمتع به البسطاء.
سر الرائحة الكريهة
في حين ذكر حسن علي "مدرس" أن رائحة الحديقة كريهة جدا ولا يستطيع الأطفال شمها وهو ما يجعل الزوار تفر منها ولا تستطيع أن تمكث في الحديقة أكثر من ساعتين بسبب انتشار الذباب والناموس وانتشار هذه الرائحة، وأنه كلما جاء إلى الحديقة وجد أحوالها في تراجع مستمر بسبب غياب النظافة وانتشار القمامة وغياب الاهتمام بالحيوانات وندرتها، مشيرا إلى أن أبناءه يصرون كل مرة على زيارة الحديقة وهو ما يجعله يأتي إليها رغم ذلك.
فيما أكد محمد عبد الحليم "مشرف على أحد الرحلات المدرسية" أنه جاء على رأس رحلة مدرسية نزولا على رغبة التلاميذ في المدرسة إلا أنهم أبدوا له ندمهم على إصرارهم زيارة الحديقة بسبب ندرة الحيوانات وانتشار هذه الرائحة، مشيرا إلى ارتفاع قيمة التذاكر وعدم وجود ما يفيد التلاميذ من خلال زيارتهم للحديقة.
طلبة مزوغين
وينتشر في جنبات الحديقة الكثير من الطالبات و الطلاب (المتهربين من المدرسة)، حيث أكدت (م ، س) ـ إحدى الطالبات الهاربات من المدرسة ـ أنها تأتي إلى الحديقة هي وبعض زميلاتها كل أسبوع تقريبا لتفر من جو المدرسة الذي وصفته بأنه "خنيق" وأنه لا تجد مكانا بعيدا عن منزلها ومدرستها لا يعرفها فيه أحد سوى حديقة الحيوانات.
وردا على سؤال "محيط" بأنها هل تجد من يمنع دخولها الحديقة بزيها المدرسي وحقيبتها المدرسية؟ أكدت أن موظفي الحديقة لا يمانعون من دخولها بتاتا هي وزميلاتها، طالما أنها تدفع قيمة تذكرة الدخول، في حين أكد أمير محمد (أحد الطلاب في المرحلة الثانوية) أنه يأتي إلى الحديقة بعد هروبه من المدرسة ليتعرف على البنات الهاربات من الطالبات في الحديقة "ويضرب معهن صحبية" خاصة وأنهن لا يمانعن من ذلك .
على الجانب الأخر قال أحد الطلاب بالصف الثالث الإعدادي - إنهم يأتون إلى الحديقة مرتين سنويا مع الرحلات المدرسية وإنهم يحبون التجمع و"الفسحة". وقال أحدهم إن "الحصان كريه المنظر ورائحته سيئة، والفيل عجوز والقرود ظريفة".
اشبال
وقالت حنان – طالبة - إن "الحديقة جميلة وأزورها باستمرار لأني أعشق الطيور وأحب رؤيتها".
وقال محمود ( أحد حراس القرود )إن العلاقة بينه وبين الحيوانات عميقة ووطيدة، مشيرا إلى أن الألفة التي بينهم جنبته أي خطورة قد تمثلها هذه الحيوانات فهو يطعمها بيديه.
وقال "لا نستطيع خلال فصل الشتاء أن ننظف الأقفاص التي يعيش بها الحيوانات يوميا حتى لا تصاب بالأمراض (البرد) ولكننا ننظفها ما بين فترة وأخرى".
فيما أشار بعض مسئولي الحديقة إلى أن عمال النظافة يقومون يوميا بتنظيف الحديقة في السابعة صباحا والخامسة مساء، حيث تأتي عربة النظافة من محافظة الجيزة مرتين يوميا.
وأضاف أن هناك بعض الزائرين من لا يقوم سوى بالتدمير والتخريب وإلقاء القاذورات ونحن لا نستطيع أن نسير عامل نظافة وراء كل زائر، خاصة مع زيادة أعداد الزوار والتي تعد بالآلاف في اليوم الواحد".
احد الاطفال فى الحديقة
وعن المياه التي تعيش فيها الحيوانات، قالت إن "هذه المياه تأتي إلينا من نهر النيل وترد إليه، أما عن البحيرات الصناعية فنقوم بتغييرها مرتين أسبوعيا".
وأضافت "من يقول إن الحيوانات غير نظيفة يقول ذلك بناء على جهله بطبيعة كل حيوان، فعلى سبيل المثال هناك حيوانات تأخذ حمام مطر، وأخرى تستحم في البحيرات المائية مثل الفيل الذي يستحم يوميا، ومنهم من ينظف نفسه بنفسه مثل الطيور والقطط والأسود، ومنهم من ينظفه الحراس يوميا مثل الخيول، وهناك حيوانات تأخذ حمام تراب مثل النعام لأن التراب يزيل الحشرات من أجسادها".
وبخصوص شكوى اختفاء الزرافة وبعض الحيوانات قال إن "من المفترض أن عمر الزرافة يصل إلى 10 أعوام، ولكن الزرافة التي كانت بالحديقة عاشت حتى وصل عمرها إلى 27 عاما ثم ماتت، وقريبا سوف يتم إحضار زرافة جديدة للحديقة".