) اى غير ظاهر العروق ثم قال( كان سابل الأطراف ) اى في أصابعه شئ من الطول والاسترسال.
ثم انتقل إلى شئ آخر فقال ( وكان دائما خفض الأطراف نظره إلى الأرض ) وهذه انه مقبل على شأنه ثم قال (جل نظره الملاحظة ) اى إذا التفت التفت جميعا فلا يلوى عنقه دون جسده لأنه خفه وطيش ثم قال ( يسوق أصحابه ) وهذا من التواضع والكرم والشجاعة وقيل في بعض الروايات( خلو ظهري لملائكة ربى ) ثم قال ويبدأ من لقيه بالسلام وهذا شأن التلطف فلا يستنكف أن يبدأ بالسلام لا كما يفعل المتكبرون وكل هذا يعطينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استوقف الأنظار .
فصل في منطقه صلى الله عليه وسلم
وسأل الحسن خاله هند عن منطقه صلى الله عليه وسلم التي يكون للأسوة فيها مجال ولان اصل رسالته ومقصدها الأسمى هو تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق ففي الترمذي بسند صحيح (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فقال( كان متواصل الأحزان ) لان المهمة عظيمة بل كان اعلم الخلق بالله وأخشاهم له (والله لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا).
ثم قال (وكان طويل السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ) لان التكلم بأحد الشدقين فعل المتكبرين وليفهم عنه. ثم قال ( وكان يتكلم بجوامع الكلم ) لأنه صلى الله عليه وسلم من أفصح الناس. ثم قال ( ويتكلم الكلام الفصل لا فضول فيه ولا تقصير ) اى أن الكلام يفي بالمطلوب ثم قال (وكان دمثا ) اى حسن الخلق فيأنس به من يلقاه ومن ينظر إليه. فمن خلقه انه كان يعظم النعمة وان دقت فلا يذم منها شئ .
ثم قال ( غير انه لم يذم ذوقا ولا يمدحه ) فلم يذمه لأنه نعمه ولم يمدحه لان الذي لم يمدحه ربما كان مذموما عنده. ثم قال ( ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ) لزهده فيها ثم قال ( لا يقاوم غضبه إذا تعرق للحق بشئ حتى ينتصر له ) لأنه من اشد الناس غيرة لله أن تنتهك محارمه أما ما كان لنفسه فلا يستفزه شئ لكرم أخلاقه ثم قال ( إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه الوسطي) وهذه الحركة في أثناء الكلام وكأنها تعليم لأتباعه لتكون لهم عوضا عن العصا ثم قال ( وإذا غضب اعرض وأشاح ) لكرمه لأنه لا يريد أن يرى غضبه وشكله وهو غضبان كما أنها مبالغة في الإنكار ثم قال ( وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم ) اى لا يقهقه وأما غض الطرف أثناء الفرح تواضع منه وللمحافظة على الوقار .
فصل في مدخله صلى الله عليه وسلم
(ربى ادخلنى مدخل صدق واخرجنى مخرج صدق )
يقول الحسن فكتمت هذه الصفة عن الحسين ثم حدثت الحسين بها فوجدته قد سبقني إليه حيث سأل أبيه عن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وكان علي من اعرف الناس به صلى الله عليه وسلم وأقربهم إليه وأكثرهم إطلاعا على خلواته وجلواته وأقواهم ملاحظة وأقربهم إليه وأقدرهم على الوصف فسأله عن مدخله ومخرجه وشكله وكل شئ يتعلق به فقال عن مدخله صلى الله عليه وسلم ( كان مؤذونا له في ذلك ) يعنى انه لا يستأذن على قوم لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ولان عنده اشراقيات ومع ذلك فقد ثبت انه استأذن على سعد لما زاره ليعلم الناس الاستئذان ثم قال ( وإذا دخل بيته جزء دخوله ثلاث. جزء لله لان المعين الذي يأخذ منه الكماليات وجزء لأهله لان لهم حق وجزء لنفسه لان لهم حق أيضا ) وهذا من كماله فلم يطغى حق على حق ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (إن لبدنك عليك حق ولربك عليك حق ولأهلك عليك حق ولضيفك عليك حق فأعطى كل ذي حق حقه ) ثم قال ( ثم بعد ذلك يتشاغل بهم )اى بما يصلح أمته فيتقصى أحوالهم ويسأل عنهم فقال( ليبلغ الشاهد منكم الغائب وابلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغى حاجته ) فمن بلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغه ثبت الله قدميه يوم القيامة ثم قال( يدخلون عليه روادا ) يعنى أن الحامل لهم على الدخول ليكونوا روادا يحملون الخير إلى الناس ثم قال (ولا يفترقون إلا عن ذواق وفى رواية عن ذوق ويخرجون أدلة ) يعنى أدلة في الخير فكل واحد يستطيع أن ينقل عنه كل ما سمعه وبذلك تنتشر دعوته لمن لم يحضر مجلسه.
فصل في مخرجه صلى الله عليه وسلم
قال الحسين وسألته عن مخرجه صلى الله عليه وسلم قال (كان يخزن لسانه إلا مما يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم ) والمعنى انه لا يهزل في كلامه وليس عنده فضول فلا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه لأنه يريد أن يخرج جيلا جادا وليس جيلا هزليا ثم قال (وكان يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ) لأنه هو الذي قال (انزلوا الناس منازلهم) كما فعل بجرير البجلى عندما بسط له ردائه عندما لم يجد له مكان ثم قال ويحذر الناس من غير أن يطوى عن احد بشره وخلقه يعنى بشاشة وجه لا يبخل به ثم قال (وكان يتفقد أصحابه )فكان يقول أين فلان وهذا يدل على حسن الرعاية لأصحابه ثم قال (وكان يسأل الناس عما في الناس ) لأنه ربما كان إنسان عنده حاجة ولا يستطيع أن يصل إليه أو يستحي ثم قال (وكان يحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف ولا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ) لأنه قدوة وأسوة وهذا يعطينا إن الوالي والأب أو من يتولى صدارة لا بد أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الغير وان لا يغفل لان الاحتياط مطلوب ثم قال ( لكل حال عنده عتاد ) اى ما يناسبه ويصلحه ثم قال( ولا يتجاوز الحق ولا يقصر عنه، والذين يلونه من الناس هم خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة ) وهذا يعطينا مقياس في تقريب الناس لا من يقرب الذي يحسن القبيح أو يقبح الحسن.
فصل في مجلسه صلى الله عليه وسلم
وقال الحسين وسألته عن مجلسه فقال (كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ) وهذا يدل على أن أموره دائما على ذكر في جميع أحواله ثم قال( ولا يوطن الأماكن وينهى عن ايطانها ) لأنه ليس لأحد مكان مخصص وكان إذا انتهى إلى مجلس قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ثم قال ( ويعطى كل جلسائه نصيب حتى لا يحسب احد أكرم عليه منه ) وهذه عدالة ورعاية فلا يخص احد بحديث بل يوزع رعايته وكلامه للجميع فالمقياس الايمانى عنده أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ثم قال ( من جالسه قاومه ) يعنى انه إذا كلمه احد في حاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف عنه لشدة تواضعه ثم قال ( ومن سأله حاجه لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطة وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ) ثم قال ( مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم متعادلين يتفاضلون بالتقوى ومتواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون القريب ) وهذا مجلسه ومجلس أصحابه.
فصل في سيرته في جلسائه:-
قال ( كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ – اى سيئ الخلق- وليس بغليظ ولا صخاب – يعنى صياح في الأسواق – ثم قال (وكان يتغافل عما لا يشتهى ) اى إذا رأى ما لا يشتهى يتغافل عنه كأنه لم يره ثم قال (ولا ييأس منه راجيه ولا يخيب أمله فيه ) ثم قال قد ترك نفسه من ثلاث:- المراء لان المراء يورث قساوة القلب وقد سن كفارة المراء والجدال ركعتان كما هو موجود في السلسلة الصحيحة للالبانى. ومن الإكثار مما لا يعنيه ولا يذم أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ) فهذه الثلاث التي ترك الناس منها.