وروي من طريق البخاري أن رجلاً لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره فقال يا إبن عباس ما أرض الجنة قال: (مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة، قلت فما نورها؟ قال: ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها إلا أنه ليس فيه شمس ولا زمهرير) .
وهكذا سترى بعد كل هذا ما لم تره من قبل ثم أنك لم تر شيئاً فكل ما قيل ويقال لا يمكن أن يصور لك الحال .
- تربتها ، بناؤها، هل سيعرفها أصحابها ؟
تخيل أخي الحبيب معي أن الله عفا عنك في تلك الزحمة مبادراً مع المبادرين مسروراً مع المسرورين بأبدان قد طهرت ووجوه قد أشرقت وأنارت فهي كالبدر قد سطع من اعراضهم كشعاع الشمس فلما جاوزت بابها وضعت قدميك على تربتها وهي مسك أذفر والزعفران والمسك مصبوب على أرض من فضة، والزعفران نابت حولها، فهذه أول خطوة خطوتها على أرض البقاء، بالأمن من العذاب والموت فأنت تتخطى في تراب المسك ورياض الزعفران وعيناك ترمقان حسن بهجة أشجارها وزينة تصويرها.
فبينما أنت تتخطى في عرصات الجنة في رياض الزعفران وكثبان المسك إذ نودي في أزواجك وولدانك وخدامك وغلمانك أن فلانا قد أقبل.
فيا لها من سعادة تملأ قلبك وراحة تباشر بدنك وبدأت تتمتع بما لم يتخيله عقلك في يوم من الأيام ولهذا في يوم من الأيام سأل سيدنا أبو هريرة رسول الله () فقال له: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ قَالَ لَوْ تَكُونُونَ أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ))( ).
هذا ترابها فما بالك ببنائها لقد صدق من قال:
وحي على واد هنالك أفيَحُ
منابر من نور هناك وفضة
وكثبان مسك قد جُعلن مقاعدا
وتربته من أذفر المسك أعظم
ومن خالص العقيان لا تتقصم
لمن دون أصحاب المنابر يعلم
ثم ستدخل بعد كل هذا وبعد دخولك ستعرف مستقرك مباشرة دون أن يعرفها لك أحد: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (محمد:4-6).
قال مجاهد: "يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطأون كأنهم ساكنوها منذ أن خلقوا لا يستبدلون عليها أحداً".
بل إن جمهور المفسرين قالوا : "عرفَّها لهم، أي بينّها لهم حتى عرفوها من غير استدلال .
كيف لا وهي دارهم ومنازلهم التي عملوا من أجلها وسعوا للحصول عليها والوصول اليها ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد أن النبي () قال: ((إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا )).
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
فأعمل لدار غد رضوان خازنها
قصورها ذهب والمسك طينها
أنهارها لبن محض ومن عسل
والطير تجري على الأغصان عاكفة
من يشتري الدارة في الفردوس يعــــمرها أن السلامة فيها ترك ما فيها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
وأن بناها بشر خاب بانيها
والجار أحمد والرحمن ناشيها
والزعفران حشيش نابت فيها
والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
تسبح الله جهراً في مغانيها
بركعة في ظلام الليل يحييها
- غرف الجنة وقصورها وكيف سندخلها ومن الذي سيستقبلنا وصفة أهلها وريحها
قال عز وجل: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ (الزمر: من الآية20).
أي أن هذه الغرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ.
تخيل حسن أبوابها وستورها وعرصة قبتها وفرشها وسررها وقوائمها نعم !!! إنها غرف الجنة بيت الله الذي خلقها بيده سبحانه. وروى ابْنِ إِسْحَقَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (): ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ))( ).
بل قد روي في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي () قال: (( إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا )).
ولخديجة رضي الله عنها وأرضاها كما في الأحاديث الصحيحة: ((بَيْت في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ )) من لؤلؤ مجوف، وكذلك لمن يصيبه مصيبة فيحمد الله ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون واسمه بيت الحمد.
وروي في الترمذي وغيره أن النبي ()قال: ((دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ (والقصر مشرف من ذهب) قَالُوا لِشَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ فَقُلْتُ وَمَنْ هُوَ فَقَالُوا عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ ))( ).
وللمتحابين في الله أيضاً مثلها فقد قال الحبيب عليه ألف صلاة وسلام بأبي هو وأمي وروحي قال: ((المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء ، في رأس العمود سبعون ألف غرفة ، مشرفون على أهل الجنة ، وإذا اطلع أحدهم ملا حسنه بيوت أهل الجنة ، كما تملا الشمس بضوئها بيوت أهل الدنيا ، قال : فيقول أهل الجنة : أخرجوا بنا إلى المتحابين في الله ، قال : فيخرجون فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر عليهم ثياب خضر ، مكتوب في وجوههم : هؤلاء المتحابون في الله))( ) .
وهكذا سيدخل أهل الجنة الجنة جماعات ووفوداً قال سبحانه: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً (الزمر: من الآية73) وقال عز من قائل: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (مريم:85) .
وعن علي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله عن هذه الآية يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال قلت يا رسول الله ما الوفد إلا ركب قال النبي: (والذي نفسي بيده إنهم إنْ خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مثل مد البصر وينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقه من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم وإذا توضؤا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبدا فيضربون الحلقة بالصفيحة قالوا سمعت طنين الحلقة فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد اقبل فتستخفها العجلة فتبعث قيمتها فيفتح له الباب فلولا أن الله عز وجل عرفه نفسه لخر له ساجدا مما يرى من النور والبهاء فيقول أنا قيمك الذي وكلت بأمرك فيتبعه فيقفو أثره فيأتي زوجته فتستخفها العجلة فتخرج من الخيمة فتعلقه وتقول أنت حبي وأنا حبك وأنا الراضية فلا أسخط أبدا وأنا الناعمة فلا أبأس أبدا والخالدة فلا أظعن أبدا فيدخل بيتا من أساسه إلى سقفه مائة ذراع مبنى على جندل اللؤلؤ والياقوت طرائق حمر وطرائق خضر وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها فيأتي الأريكة عليها سرير على السرير سبعون فراشا عليها سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الجلد يقضي جماعهن في مقدار ليلة تجري من تحتهم أنهار مطردة أنهار من ماء غير آسن صاف ليس فيه كدر وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل وأنهار من خمر لذة للشاربين لم تعصره الرجال بإقدامها وأنهار من لبن لم يتغير طعمه لم يخرج من بطون الماشية فإذا اشتهوا الطعام جائتهم طيور بيض فترفع أجنحتها فياكلون من جنوبها من اي الالوان شاؤا ثم تطير فتذهب فيها ثمار متدالية إذا اشتهوها انشعب الغص إليهم فيأكلون من أي الثمار شاؤوا أن شاء قائما وأن شاء متكئا وذلك قوله عز وجل وجنى الجنتين دان وبين أيديهم خدم كاللؤلؤ)( ).
واُبشرك قبل الدخول ستشم رائحة الجنة لأن ريحها يُشم من مسيرة مائة عام كما روى الإمام البخاري وفي رواية أخرى سبعون خريفاً وهي داخلة في المائة عام ولا تعارض بينهما بوجه، والريح أي ريح الجنة كما قال الإمام ابن قيم الجوزية نوعان: نوع تشمه الأرواح يوجد في الدنيا وريح يدرك بحاسة الشم في الآخرة وفي الدنيا يدركه الأنبياء والرسل ولا يشم رائحة الجنة قاطع الرحم ولا يشم ريح الجنة عاق لوالديه ولا يشمها من ادَّعى إلى غير أبيه ومن لم يستطع شمها فكيف له بالدخول اليها . اللهم وفقنا لمرضاتك وأرزقنا جنتك.
ألا يا عين ويحك أسعديني
لعلك في القيامة أن تفوزي
بغرز الدمع في ظلم اليالي
بخير الدار في تلك العلالي
- أشجارها ونباتها وزرعها
اما من يحب الاشجار ويحب ان يجلس تحتها فاقول لهم سنرى اشجارا لم تر عيننا مثلها في الدنيا أن اشتهيت فاكهة ما نزلت أمامك بأغصانها وما عليك إلا قطفها لترجع لمستقرها، وفعلاً فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
يقول تعالى: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (الواقعة 27-33). وقال عز من قائل: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن:68) ومخضود: منزوع الشوك أي مقطوع الشوك كما قال ابن عباس بدَّل الله مكان كل شوكة ثمرة.
وطلح منضود: الطلح كما قال أكثر المفسرين هو الموز وهو قول كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونُضِّدَ بالحمل والثمر أو الورق وقيل هي شجر البوادي وهو كثير الشوك وجعل الله مكان كل شوكة ثمرة.
وهناك أشجار طويلة جداً كما في الصحيحين: (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا )) والظل الممدود كما قال ابن عباس: "هي شجرة في الجنة على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم يتحدثون في ظلها قال فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحاً من الجنة فيحركها بكل لهو كان في الدنيا"( ).
اضافة الى ان جميع الأشجار سيقانها من ذهب كما قال حبيب القلب محمد صلى الله عليه وسلم بل أن هناك شجرة أسمها طوبى وهذه لمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما رآه ومن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
واما سدرة المنتهى كما في البخاري نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل اذان الفيلة ويخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فالظاهران النيل والفرات والباطنان في الجنة هناك. وأما صفاتها فكما قال ابن عباس: (( نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها حللهم وثمرها أمثال القلال، والدِلاء أشد أبياضاً من اللبن وأحلى من العسل والين من الزبد ليس فيها عجم))( ).
وعن مجاهد بن جبر المكي قال: ((أصول أشجارها ذهب وورق، وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق والثمر تحت ذلك فمن أكل قائماً لم يؤذه ومن أكل جالساً لم يؤذه ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه وذللت قطوفها تذليلا)). وفوق كل هذا يكونوا متكئين فيها كيف لا؟ والله يقول: مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ( سورة صّ:51).
وقال سبحانه: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (الدخان:55).
وهم آمنون من انقطاعها عنهم: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (الزخرف:72-73). وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ .
كيف لا ورب العزة يقول: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (الزخرف: من الآية71).
- أما زرعها فهو زرع الخلد، ففي أحد الأيام كان النبي () يحدث وعنده رجل من أهل البادية فقال نبينا : ((أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ قَالَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ النَّبِيُّ حتى بدت نواجذه ))( ) .
إذن حتى الزرع والبذر سيكون موجوداً للزراع من الجنة، وهكذا تخيل معي يا أخي وأنت تقف على مشارف نهر والأشجار في جنتك وأرايح الجنة تعبق من أمام فمك ومسكها الأذفر وزعفرانها المونع وكافورها الأصفر وغبارها الأشهب وأرياح طيب ثمارها وأشجارها وصلت لدماغك وقلبك وفاض من جميع جوارحك وأمامك الزمرد الأخضر والياقوت الأحمر والدر الأبيض ثم أن الزيادات ستأتيك ان شاء الله وأن البقاء فيها والدنيا قصيرة وأن أول روح وطيب نفح وجهك يعدل الدنيا وما فيها.
نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا طاعته والعمل لمرضاته لنسعد تحت أشجارها ونأكل من ثمارها مع إخواننا وأحبتنا وأهلها ومشايخنا، وصدق من قال:
يناجون رب العالمين لحقّهم
ذرانا إله الناس ربُ محمدٍ
وتسري هموم القوم والناس نوّم
لقومٍ على الأقدام بالليل قوّمُ