ثانيا: استدان رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يهودى مبلغاً من المال، على أن يرده إليه فى ميعاد كذا، ولكن اليهودى جاء قبل الموعد بمدة كبيرة وطالب رسول الله برد هذا الدين بصورة مزعجة ومُنْكَرة، وأخذ يقول فى سخرية واستهزاء يا بنى عبد المطلب أنتم قوم مُطْل يا محمد أعطنى حقى الذى عندك، إلى غير ذلك من العبارات البذيئة، فقام إليه عمر بن الخطاب وأراد أن يضرب عنقه، فقال له رسول الله: مه يا عمر لا تفعل أنا وهو فى حاجة منك إلى غير هذا مُرْهُ بحسن المطالبة ومُرْنى بحسن الأداء. يا عمر اذهب معه وأعطه حقه وزده كذا وكذا جزاء ما روعته فامتثل عمر وذهب مع اليهودى فأعطاه حقه وزاده كما أمره رسول الله، ثم قال عمر لليهودى ما حملك على هذا ولم يحِن مَوْعِدُ دينك بعد. فقال يا عمر اختبرت صاحبكم فى كل أمر جاء فى التوراة بشأنه فوجدته صادقاً فلم يبق غير شئ واحد لم أتمكن من اختباره فيه إلا اليوم وهو أنه إذا استغضب لا يغضب والآن قد تبين لى الحق وإنى اشهدك يا عمر أنى أشهد أن لا إله إلا تالله وأشهد أن محمداً رسول الله. فانظر أيها المسلم إلى هذه الحكمة العالية التى جعلت الكافر وليا والعدو صفيا.
هذا وقد جاءت التوراة والإنجيل بصفات رسول الله صلى الله عليه سلم، حتى إذا رآه اليهود والنصارى آمنوا به لمعرفتهم له صلى الله عليه وسلم فى كتبهم قبل مجيئه إليهم، ولكن الأمر كان عكس ذلك فقد سبقهم إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم المشركون والكافرين عباد الأوثان والأصنام، وتأخر أهل الكتاب حسداً وحقداً على رسول الله وأنكروا ما جاء بشأنه فى التوراة والأنجيل وناصبوه العداء والقتال فى كل الميادين إلى يومنا هذا وحتى تقوم الساعة. قال الله تعالى فى شأنهم:
﴿ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾.
[ الآية: 89 البقرة].