يا ناس حرام .. الضرب في الميت حرام .. ألا يوجد بينكم من يتحلى ببعض الغرائز الإنسانية التي أبسطها الشعور والإحساس والرحمة؟ كفاكم استفزازاً لمشاعر الناس، فالمواطن يسقط صريعاً يومياً من أجل لقمة العيش محاولاً التغلب على وحش الغلاء وتكلفة علاج الأمراض وأخيراً أنبوبة البوتاجاز، وانتم تنفقون الأموال هنا وهناك من أجل إغاظة منافسيكم فقط.
إقرؤوا معي بعض العناوين:
" الحضري يتلقى عرضاً برازيلياً قيمته 500 ألف دولار"
"جدو وقع للزمالك بمليون جنيه في الموسم"
"محمد بركات يجدد تعاقده مع الأهلي مقابل سبعة ملايين جنيه"
"المصري يعرض علي عماد متعب خمسة ملايين جنيه"
"الزمالك يعرض علي شيكابالا تجديد عقده بستة ملايين جنيه"
"أنباء عن طلب حسني عبد ربه مبلغ 7 ملايين جنيه للتعاقد مع الأهلي"
وأخيراً .. "قيمة مكافآت منتخب مصر الفائز بكأس الأمم الأفريقية تخطت حاجز الـ55 مليون جنيه" ..
هذه بعض العناوين التي قرأناها واخترقت قلوبنا وقلوب الغلابة قبل آذاننا وآذانهم في أقل من شهر ونصف الشهر، فما بالنا بما لم نعلمه أو ما سبقه!! بالذمة دا مش يبقي حرام؟!! هل أصبح الحديث عن قيمة صفقات اللاعبين والإعلان عنها سبباً للتفاخر كي يقول الناس: دا معاه فلوس وبيدفع!!
من حق أي ناد أن يفاوض لاعبين ومدربين بل وعمال غرف خلع الملابس، ومن حق أي لاعب أيضا أن يطلب المبالغ التي يريدها - مع تحفظي علي المبالغة فيها – ولكني أصبحت أشعر أن بعض الناس يضيعون أوقاتهم في جمع المال ثم يضيعونها قتلا للوقت بالجدال والنقاش والتهديد بترك النادي وما إلا ذلك .. في حين أن هناك أيضاً من لا يجدون قوت اليوم وإن وجده فهو يدخل في صراع آخر من أجل الحصول على الكنز الجديد الذي يبحث عنه الجميع وهو .. أنبوبة البوتاجاز.
اعترف أننا أصبحنا في زمن لا يمكن للمرء أن يفعل الشيء خفية، ولكن هناك إناس يتباهون بأنهم أول من يقول: إحنا تعاقدنا مع فلان مقابل كذا وهاندفع مقدم كذا.. يا أخي ما تسكت وبطل فشخرة كدابة .. فمن لا يملك عسلاً في وعائه فليملكه في فمه.
رأيت بعيني طوابير لا آخر لها أمام مستودعات البوتاجاز من أجل الفوز بواحدة توضع ضمن قائمة جهاز العروسين، وبشر لا حصر لهم ينتظرون أن يضعوا أيديهم على هذا الجسم الثقيل ليخفف عنهم مشاق البحث والعثور على لقمة العيش التي يجاهدون للحصول عليها ولا يجدونها إلا بشق الأنفس، وإذا ما توافرت في وقت ما، أصبحت الأزمة في كيفية طهوها بسبب عدم وجود أنبوبة البوتاجاز.
وفي الوقت نفسه، يتواصل التنافس للفوز بلاعب ما، وتدور حروب كلامية ومزاد علني على هذا اللاعب الذي في رأيي أياً كانت مهاراته فلا يمكن أن يدفع فيه هذا الكم الهائل من الأموال دون حسيب أو رقيب، ولن أسأل عن المسئولين الذين تركوا الحبل على الغارب لكل أشكال الاستفزاز التي تحدث في بلادنا فهم غير موجودين من الأساس.
لا ألوم الزمان كما يفعل الكثير منا، ولكني أواسي كل محتاج وضعته الظروف في هذا الزمان الذي أصبحت لغة المال فيه أفضل من الكلام عكس ما تعلمنا، فما أسرع أن نصدق ما نود سماعه مثلما يلعب البعض على مشاعر الجماهير لحاجة في أنفسهم ، في الوقت الذي تلعب فيه الأقدار أيضا بنا حين نفشل في التحكم بأقدارنا .. حقا.. العيون تبصر كل شيء إلا نفسها.