البيئة ومحتوياتها في الإسلام
لم تدع رسالة الإسلام شاردة ولا واردة إلا احتوتها وبينت الحقائق حولها وجلت تفاصيلها وذلك لما تتصف به رسالة الإسلام من الشمول والاحاطة، وقد اهتمت الشريعة الغراء بالإنسان وكل ما يحيط به من ماء وهواء وشمس وقمر وبر وبحر وشجر وحجر ... الخ ووضعت لذلك الأحكام الكثيرة وبينت طريقة التعامل مع كل هذه المفردات بوضوح وتفصيل لكي يسخرها الإنسان لخدمته وتطويعها لأجل تحقيق الغاية الكبرى التي وجد من اجلها على هذه الأرض وهي عمارتها من اجل تسهيل مهمته في العبادة والتفكر في ملكوت الله، ولكن مع تطور الحياة واختلاف أنماطها وتغير نظمها وازدياد أعداد البشر والمخلوقات الأخرى فقد ظهرت المشكلات والصعوبات التي تحيط ببيئة الإنسان، ولاشك أن تفاقم المشكلات البيئية في الأرض قاطبة وما ترتب عليها من مخاطر تهدد كل الكائنات على السواء كل ذلك أصبح من الأمور التي تستوجب على بني الإنسان المشاركة الفاعلة في مواجهة تلك المشكلات البيئية والتي من أبرزها تلوث الهواء، تلوث الماء، التلوث الإشعاعي، التلوث الضوضائي، تلوث التربة، تلوث الغذاء ...الخ وخاصة إن أنشطة الإنسان الصناعية وطموحاته الاقتصادية هي التي أدت إلى إحداث اختلال في التوازن البيئي, وانقراض كثير من الكائنات الحية. وما زالت تهدد أعدادا أخرى كثيرة بالانقراض, مما يسبب في النهاية ضررا كبيرا للإنسان نفسه. وبما أن الإنسان المسلم هو جزء من هذا الكون فهو مكلف بالمساهمة في البحث عن حلول لمثل هذه المشكلات خاصة أن الإسلام لم يغفل موضوع البيئة والاهتمام به، ومن المفيد هنا ان نقدم تعريفا لمفهوم البيئة. فالبيئة بالنسبة للإنسان- «هي الإطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية، وكائنات تنبض بالحياة. وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية ومغناطيسية..الخ ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر. وأما تعريف البيئة في الإسلام كما يراها بعض الباحثين فهي :» كل نشاط يبذله الإنسان بهدف توعية الأفراد بالبيئة المحيطة بهم بكافه عناصرها وبالعلاقات القائمة بين مكوناتها، وبتنمية الإحساس بالوعي البيئي على أساس من مبادئ الإسلام وتصوراته عن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان «، وإذا تصفحنا بعضا من الأمراض والتشوهات البيئية التي أصابت كوكبنا الأم عندها ندرك الواجب الملقى على عاتق كل واحد منا ليكون عنصرا فاعلا للمساهمة في الإصلاح بقدر ما يستطيع، ويدفعنا لذلك أيضا التوجيهات الإسلامية العظيمة للحفاظ على بيئتنا وعناصرها المختلفة سواء كان ذلك في القران الكريم أو السنة النبوية المطهرة، حيث امرنا ديننا الحنيف باستغلال مكونات الطبيعة واستثمارها بما يعود عليها وعلينا بالنفع والفائدة حيث وجهنا نحو الاستغلال الأفضل لمكونات البيئة. وذلك من خلال عدم الإسراف، وعدم التبذير، والبعد عن الترف، الاعتدال والتوازن في كل شيء، فقد امرنا الإسلام بالاعتدال في استهلاك موارده البيئية بحيث تكفى الضرورات والحاجات، بدون إفراط ولا تفريط حيث امرنا رسولنا الكريم عدم الإسراف حتى لو كان الإنسان على نهر جارٍ خاصة إذا ما علمنا إن الممارسات الخاطئة في استخدام المياه تؤدي إلى ندرة المياه ونضوبها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه في باطن الأرض، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ, فقال له (لا تسرف في الماء) . فقال سعد : «وهل في الماء إسراف؟» قال : «نعم, وإن كنت على نهر جار» 1/48 زاد المعاد. وذكر الماء في أكثر من ثمانين آية في القرآن الكريم لأنه اصل الحياة, وعدم تلويثه سواء أكان في الأنهار أو السدود أو البرك الأواني أمر مهم بل إن الإسلام اعتبر أن الزفير فيه شكل من أشكال تلوثه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الزفير او النفخ في الإناء الذي يوجد فيه ماء فكيف إذا لوث بملوثات أخرى ؟ وهذا التوجيه لاشك يساهم في بقاء البيئة التي يحيا في ظلها الإنسان جميلة غنية بالخضرة والنضارة يمتع الإنسان ناظريه بها كما وصفها عز وجل بقوله: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور . سورة فاطر الآية: 27 – 28. وكذلك قوله تعالى :» ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين . سورة الحجر . حيث ينظر الإسلام إلى أن الأرض وكل ما عليها هي نعم ألهيه يجب على الإنسان أن يحافظ عليها ويستغلها بحكمة ورشاد : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) الآية ( 49) القمر , وفي هذا إشارة إلى التوازن البيئي . لذلك على الإنسان ان يجعل هذه النظم مصدر نعمة وليس مصدر نقمة فالحاجة الى التعامل معها على أسس عقلانية أمر يؤكده الاسلام. حيث حرم الإسلام العبث في موارد الثروة وعناصر البيئة وحرم التعامل معها بصورة عشوائية كقتل الحيوانات بدون سبب وقطع الأشجار وصيد الطيور حيث يقول تعالى : «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير إن كنتم مؤمنين» الآية 85 الأعراف.
ومن التوجيهات الكريمة في الإسلام لتبقى البيئة نضرة معطاءة هو الأمر بالنظافة حيث تبين الدراسات الطبية والعلمية أن نظافة الأفنية والأجسام هي من اكبر المضادات للأمراض وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وسلم): «نظفوا أفنيتكم»، واعتبر العلماء أن النظافة هي علامة من علامات الأيمان، وكذلك يقول (ص): (إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس). أخرجه مسلم .
إن هذه التوجيهات الكريمة إنما هي بمثابة الأسس الواضحة والتوجيهات الجلية للتعامل مع البيئة ومحتوياتها وعناصرها وما علينا كمسلمين إلا إتباع ما جاء به ديننا الحنيف لتبقى البيئة من حولنا نظيفة بعيدة عن التلوث بكافة أشكاله وأنواعه والذي هو نتاج الحضارة المعاصرة التي لا هم لها سوى التطور المادي على حساب الإنسان وبيئته وحياته .