اعتدنا دائما في بلادنا أن نكتب عن العلماء والأدباء والفنانين بعد رحيلهم إلى العالم الآخر ، فالمبدع عندنا لا يكرم طيلة حياته ومشواره ـ عادة ـ لكن الأقلام تفيض بعد وفاته بذكر إنجازاته وما حفلت به حياته من عطاءات في مجاله ، وسيرا على هذه السنة سأكتب هذه الكلمة في حق فنانة لم يثر رحيلها زوبعة في الصحف والمجلات ، ليس لعدم شهرتها وإنما فقط وبكل بساطة لأن أياد تجيد الاغتيال أجهزت عليها بطريقة فنية جعلت المهتمين بما يجري في الساحة الفنية لا ينتبهون إلى رحيلها.
لطالما استهوت أغاني الفنانة المغربية الملتزمة سعيدة فكري ومقطوعاتها الجريئة الشباب الطموح ، ولطالما كانت ملهمة آلاف المثقفين الحاملين للفكر الثوري على كل ما يعرفه المجتمع من مظاهر المرض والفساد على مختلف الأصعدة ، كل ذلك جعل اسمها يسطع في سماء الأغنية المغربية لتعرف انتشارا واسعا ، ولأن كل من يعزف على الوتر الحساس لم يكن مرغوبا فيه ولا مرحبا به من طرف الطبقة المسيطرة على ثروات البلاد تقرر اغتيال سعيدة وإقبار تجربتها على الأقل ما دام استئصالها من الجذور لم يعد ممكنا مع انتشار المقطوعات على نطاق واسع .
لم يكن إذاك سهلا السيطرة على الموقف وإبعاد سعيدة عن الساحة الفنية بالنظر إلى تجدر تجربتها لدى عموم الشعب من جهة ـ لم يكن ليتأتى لها ذلك لولا قناعتها التامة بما كانت تدافع عنه وتناضل من أجله من أفكار ـ ولنفوذ عائلتها من جهة ثانية . فلم يكن من حل لهذه المعضلة أكثر من النفي إلى خارج البلاد بما رافق ذلك من المضايقات المعروفة والتي لم يسلم منها كل من تجرأ على فتح فيه في زمن لم يكن فيه مسموحا بفتح الفم إلا عند طبيب الأسنان ، غابت سعيدة ولم تغب يوما خالداتها التي رددها عموم الشعب وخصوصه .
ومع العهد الجديد تفاءلنا خيرا ، وحلمنا بانفتاح باب الحرية على مصراعيه ، أو ذلك ما توهمناه بداية الأمر على الأقل ، وفتح الباب لكل طائر مغترب بالعودة إلى عشه ، عاد شبان 23 مارس وعاد باز وبزيز ، لكن سرعان ما تبين أن اليوم ليس بأفضل من البارحة وأن كل من أراد العيش بأمان عليه ألا يعود مجددا إلى السباحة ضد التيار الأمر الذي لم يرق الكثيرين من المناضلين الأحرار من أمثال الفنان أحمد السنوسي فقرروا العودة من حيث أتوا .
في مايو 2008 حمل إلينا مهرجان الرباط بشرى عودة سعيدة فكري إلى ملاقاة الجمهور مجددا ، لكن هذه العودة لم تكن لتسلم من الشروط الموضوعة مسبقا إذ رفضت الفنانة في أول ظهور إعلامي لها أن تتحدث عن الماضي بمختلف حيثياته ، وفي السهرة وتحت والطلب الملح للجمهور غنت "الميزيرية" لكن دون إيقاعات الجوقة الموسيقية المرافقة لها لتتوارى بعد ذلك عن الأنظار والأسماع ، لذلك استحقت منا على الأقل هذه الالتفاتة الخفيفة والوقوف على درج المطار وهي راحلة عنا لنقول لها : وداعا سعيدة فكري.
الكاتب :عبد الرحمان عرجي
لطالما استهوت أغاني الفنانة المغربية الملتزمة سعيدة فكري ومقطوعاتها الجريئة الشباب الطموح ، ولطالما كانت ملهمة آلاف المثقفين الحاملين للفكر الثوري على كل ما يعرفه المجتمع من مظاهر المرض والفساد على مختلف الأصعدة ، كل ذلك جعل اسمها يسطع في سماء الأغنية المغربية لتعرف انتشارا واسعا ، ولأن كل من يعزف على الوتر الحساس لم يكن مرغوبا فيه ولا مرحبا به من طرف الطبقة المسيطرة على ثروات البلاد تقرر اغتيال سعيدة وإقبار تجربتها على الأقل ما دام استئصالها من الجذور لم يعد ممكنا مع انتشار المقطوعات على نطاق واسع .
لم يكن إذاك سهلا السيطرة على الموقف وإبعاد سعيدة عن الساحة الفنية بالنظر إلى تجدر تجربتها لدى عموم الشعب من جهة ـ لم يكن ليتأتى لها ذلك لولا قناعتها التامة بما كانت تدافع عنه وتناضل من أجله من أفكار ـ ولنفوذ عائلتها من جهة ثانية . فلم يكن من حل لهذه المعضلة أكثر من النفي إلى خارج البلاد بما رافق ذلك من المضايقات المعروفة والتي لم يسلم منها كل من تجرأ على فتح فيه في زمن لم يكن فيه مسموحا بفتح الفم إلا عند طبيب الأسنان ، غابت سعيدة ولم تغب يوما خالداتها التي رددها عموم الشعب وخصوصه .
ومع العهد الجديد تفاءلنا خيرا ، وحلمنا بانفتاح باب الحرية على مصراعيه ، أو ذلك ما توهمناه بداية الأمر على الأقل ، وفتح الباب لكل طائر مغترب بالعودة إلى عشه ، عاد شبان 23 مارس وعاد باز وبزيز ، لكن سرعان ما تبين أن اليوم ليس بأفضل من البارحة وأن كل من أراد العيش بأمان عليه ألا يعود مجددا إلى السباحة ضد التيار الأمر الذي لم يرق الكثيرين من المناضلين الأحرار من أمثال الفنان أحمد السنوسي فقرروا العودة من حيث أتوا .
في مايو 2008 حمل إلينا مهرجان الرباط بشرى عودة سعيدة فكري إلى ملاقاة الجمهور مجددا ، لكن هذه العودة لم تكن لتسلم من الشروط الموضوعة مسبقا إذ رفضت الفنانة في أول ظهور إعلامي لها أن تتحدث عن الماضي بمختلف حيثياته ، وفي السهرة وتحت والطلب الملح للجمهور غنت "الميزيرية" لكن دون إيقاعات الجوقة الموسيقية المرافقة لها لتتوارى بعد ذلك عن الأنظار والأسماع ، لذلك استحقت منا على الأقل هذه الالتفاتة الخفيفة والوقوف على درج المطار وهي راحلة عنا لنقول لها : وداعا سعيدة فكري.
الكاتب :عبد الرحمان عرجي