البحث عن عريس ـ إيمان القدوسي
لم تعد الفتاة تخفي رغبتها في الزواج وتضررها من تأخره وخاصة كلما طالت عليها سنين الانتظار ، وهذا مما عمت به البلوى كما يقول الفقهاء ، تذهب الفتاة إلي عملها لتجد حولها عشرات البنات في مثل حالها أو أسوأ ، وتسمع إحداهن تطلق شكوى باسمة مغلفة بخفة الدم المصرية والقدرة العجيبة علي السخرية من كل شيء ، فإذا ردت زميلة مخضرمة تنوء بعبء أسرتها ( لا داعي للاستعجال الزواج كله هموم ) تنتهز الفتيات الفرصة ويتبارين في الرد عليها ( أريد أن أتزوج خصيصا لأوجه هذه النصائح للبنات وأحرق دمهم ) وواحدة تقول ( دعيني أتزوج وأشكو ) والثالثة ( أنا راضية بالهم ) وأخرى ( أريد أن أتزوج قبل أن أموت كمدا ، علي الأقل لأستخدم جهازي الذي ظلت أمي تكدسه لي منذ مولدي ) وتتوالي الضحكات والقفشات ولكنه كما يقول الشاعر : ضحك كالبكاء .
فإذا تطوعت الزميلة الكبيرة بالبحث عن عريس لإحداهن توالت المفاجآت ، فهي تسأل أسئلة تفصيلية عجيبة عن كل ما يخصه ، ماديا ومعنويا وعلميا وأدبيا وأسريا وخلافه ، ترد الكبيرة ( هل تريدين عريس تفصيل ؟ هذا هو المتاح لدينا ) ترد البنت وقد سرحت بخيالها واستدعت مخزونها الثقافي الكبير في مواصفات العريس المنتظر : ( أنت لا تفهمينني ، أريده رومانسيا يعيش معي قصة حب حقيقية ويجعلني أحلق فوق السحاب ) ترد الكبيرة ( إذن تريدين شاعر ، ولا داعي للشقة والشبكة والأثاث ؟) ترد البنت بسرعة ( لا تتسرعي في فهمي ، طبعا هذه أشياء أساسية جدا جدا وكيف نعيش بدونها ، بل إنني أتمني أن تكون كلها علي أعلي مستوي )
ترد الكبيرة ( عندي شاب يعمل بالتجارة ولكن مؤهله متوسط ) تسارع البنت ( لا لا لا أريده إن لم يكن يفوقني في المؤهل العلمي والمنصب المرموق علي الأقل يساويني ) تمر الشهور ، وتأتي الكبيرة يوما متهللة سعيدة ( وجدته وجدته ) وتقابله الفتاة لتبدأ في إجراءات الفيش والتشبيه وتمطره بأسئلتها واستفساراتها ، تجز الكبيرة على أسنانها غيظا ، فهي بعد عشرة عشرين سنة مع زوجها وبعد أن أصبح أولادها رجالا أطول منها ، لم تخطر علي بالها تلك الجوانب في شخصية زوجها لتعرفها وتسأل عنها ، وتنتهي المقابلة .
بعد ذلك تعتذر الفتاة لأن العريس غير مطابق للمواصفات ، ارتفاع سقف توقعات البنات عامل رئيسى في تأخير زواجهن ، فالفتاة التي تجاوزت الثلاثين من الصعب أن تقبل الزواج بسهولة بسبب نضج شخصيتها وتراكم خبرات أليمة سمعتها وعايشتها وزيادة توقعاتها وكأنها تريد من العريس أن يعوضها عما فاتها كله ، وغالبا تتزوج في النهاية شخصا مثل غيره به عيوب كثيرة وقد أضاعت من قبل فرصا أفضل منه ، أما الفتاة صغيرة السن فهي تتزوج من يتقدم لها ويوافق عليه أهلها وهي سعيدة وفرحة ، وبعد الزواج تكتشف مميزاته و عيوبه علي مهل وتكون أقدر علي التكيف معها .
مسألة العيوب والمميزات هذه غير إنسانية بالمرة ولا تدل علي النصاحة والشطارة بل تدل علي قلة الخبرة وسطحية التفكير ، فالفتاة لا تشتري ثوبا أو قطعة أثاث تقوم بفرزها أولا ولكنها ترتبط بإنسان إما أن ترتاح له أو لا ، وهو مثلها تماما به مميزات وعيوب ، وكما تريد منه أن يقبلها كما هي عليها أن تفعل ذلك ، ما يحدث بعد الزواج هو نوع من التشذيب أو ( السنفرة ) للأجزاء الخشنة في شخصية وطباع الزوجين ليتم التكامل والتناسب بينهما ، وبعد فترة تجد الشاب المهمل صار حريصا علي تعليق ثيابه وترتيب مكتبه وإلقاء المهملات في سلتها ، والفتاة التي كانت لا تدخل المطبخ أصبحت فنانة ماهرة وخبيرة طهي وهكذا ، إذا كان الزوج رجلا عمليا امنحيه بعضا من الرقة والخيال وإذا كان مترددا اشحنيه بالثقة والإقدام وهو أيضا سيمنحك الكثير من التجدد والاختلاف الذي يثرى شخصيتك .
يقول علماء النفس أن الإنسان تتكون شخصيته وطباعه مرتان الأولي علي يد أمه والثانية علي يد زوجته ، ويؤكدون أن الزواج الناجح ولادة ثانية وحياة جديدة ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) وليس بعد قوله صلي الله عليه وسلم قول ، تزوجي وخوضي تجربتك ولا تترددي كثيرا وتوكلي علي الله .
نقلا عن صحيفة المصريون