فن الغياب ـ إيمان القدوسي
كانت مشكلة المهندس الشاب حديث الزواج مختلفة قليلا عن غيره ، فهو لا يعيب علي زوجته الجميلة المهذبة بنت الأصول خلقا ولا دينا ، بل يشيد بها وبتوددها الدائم له وحرصها علي إرضائه بكل الطرق الممكنة ، ويشيد أيضا بوالدها الرجل المحترم الذي أحسن تربية ابنته وتعليمها ، ولكن .... وآه من لكن هذه بعدها تأتي المشاكل .
الشاب المتدين سليل الأسرة الطيبة لا يشعر بالحب تجاه زوجته وهناك نوعا من الضيق يجثم علي صدره تجاهها دون أن يعرف له سببا ، لم يصارح زوجته بالطبع بتلك المشاعر ولكنها أحست بها ولاحظ هو ذلك من كثرة بكاءها غير المبرر ، تطورت مشاعره إلي حد التفكير الجدي في الطلاق رغم مرور خمسة شهور فقط علي زواجه ولكنه متردد لصعوبة الصدمة علي زوجته الفاضلة وأبيها بل و أهله هو أيضا ولا يعرف ماذا يفعل ؟
قد يتبادر للذهن التحامل علي الشاب واتهامه بالبطر علي ما أنعم الله به عليه من زوجة صالحة محبة وجميلة ، خاصة أن كثير من الشباب يتمني أن يرزقه الله بمثلها وييسر له العفاف ، ولكن قليلا من التروي يصل بنا إلي حقيقة ما حدث بين زوجين صغيرين لم يتم التوافق بينهما بعد .
يقبع الصياد دائما داخل نفس الرجل ، والصيد متعة في ذاته ، السمك موجود في السوق ، أما متعة الصيد فتكمن في الانتظار والترقب ، في اللهفة والفرحة الغامرة عندما تغمز الصنارة فيجذبها الصياد ليشاهد السمكة الجميلة تتمايل متلألئة تحت ضوء الشمس ، عندما تمت الأمور للمهندس الشاب بسلاسة دون عقبات أو مشاكل لم يشعر بقيمتها مثل الطالب الذي يحصل علي الامتحان مسبقا أو المشاهد الذي يشاهد نفس الفيلم للمرة الثانية .
لا يقدم الطعام أكواما وبشكل متواصل وإلا زهدت فيه النفس وأصابها النفور من منظره ، وعلي الزوجة الصغيرة أن تبتعد قليلا حتي يراها الزوج بشكل أفضل ، وفكرة التلازم بين الزوجين تطبقها بعض الفتيات الطيبات بشكل خانق يؤدي لنتيجة عكسية ، لكل إنسان مجاله الحيوي الذي يحب أن يتحرك فيه بحرية ومع نفسه ، فليكن لها هي أيضا مجالات للحركة بعيدا عن الزوج ، تمارس هواياتها أو تشغل نفسها باهتماماتها أيا كانت .
الوضع الطبيعي أن يبحث الرجل عن المرأة وليس العكس ، وبالمناسبة أتذكر حلقة من برنامج ( العلم و الإيمان ) للراحل الكبير ( د. مصطفي محمود ) كانت عن العقارب ،كان الذكر يقوم بطقوس الزواج الراقصة والتي يختمها بسحب الأنثي ـ بعد موافقتها ـ لعش الزوجية ، والغريب أن هناك أنثي تعجلت الأمر وسحبت هي الذكر فلدغها لدغة مميتة لأنها أفسدت الطقوس !!!
لايختلف الرجال كثيرا والدليل تغنيهم قديما وحديثا شعرا ونثرا بالأشواك التي تحيط بالورد والتي من أجلها أحبوا الورد رغم تحملهم لآلام الوخز والجرح حتي يفوزوا أخيرا بالوردة الجميلة ، ( روميو وجولييت ) و ( قيس وليلي ) وكل قصص الحب الشهيرة خلدتها المصاعب والموانع ، ولو تم الزواج الميسر بين طرفيها لما سمعنا بها وربما اشتكي أبطالها من الملل الزوجي .
مشكلة المهنس الشاب أنه قد حصل علي الوردة بلا شوك وبسهولة ويسر ، كما أن حياته معها عسلا دائما حتي جزعت نفسه وأصابه الملل والزهق ولم يعد يشعر بأي جمال أو حلاوة في حياته كلها .
دائما تركز الوصايا للمقبلات علي الزواج علي (فن الحضور) في حياة الزوج حتي تصورت الفتيات أن معني الزواج هو أن تكون مثل ظله ، وهذا خطأ فادح ، يقول الأديب الفرنسي ( ستاندال ) في كتابه الشهير ( في وصف الحب ) أن مرحلته الأولي هي ( الاصطدام ) بفعل الإعجاب ثم يحذر من أن يعقب هذا التلازم المستمر لأنه يفضح عيوب الطرفين ويؤدي للزهد ولتهاوي العلاقة الوليدة ، ويقول أن المرحلة هي ( الغياب ) والغياب أيضا فن إذ أنه يساعد علي تبلور الحب وتمكنه ، وبعد ذلك تظل العلاقة دائما تتراوح بين ( الحضور ) و ( الغياب ) في الوقت المناسب .
وفي آيات الكون لنا مثال يأتي النهار بشمسه الساطعة يعقبه الليل بظلامه الدامس ويتعاقب الصيف والشتاء والمد والجزر ولو دام الحال علي منوال واحد لاختل التوازن وتوقفت الحياة ،( فن الغياب) هو حساسية الانسحاب قبل الملل ،هو ترك مساحة لحرية الطرف الآخر،هو الانشغال بالنافع المفيد حتي يأتي الوقت المناسب للتقارب مرة أخري ، وهكذا كما يقول علم النفس الحديث ( علي المرأة أن تكون مثل بندول الساعة فهي تتحرك يمينا في اتجاه العطاء ثم يسارا لممارسة أنشطتها الخاصة التي تقويها قبل أن تعود لليمين مرة أخري) .
اللوحة الجميلة لا نراها جيدا إلا لو ابتعدنا عنها بقدر يسمح بالرؤية الكلية أما الاقتراب الشديد فهو يشوش الرؤية ويجعلها سيئة ، والزواج الناجح ليس رابطة خانقة لا تسمح حتي بالتنفس أو الحركة ، ولكنه اثنان ناجحان مستقلان ،لدي كل منهما ما يشغله ، يتم بينهما التعاون والمساندة لتكون حياة كل منهما أفضل من ذي قبل ، المعادلة الصحيحة للزواج ليست واحد بجانبه صفر علي الشمال لا قيمة له يتحول لعبء من الأفضل التخلص منه أو تجاهله ، بل هي واحد بجواره واحد صحيح يساوي اثنان يعرف كل منهما كيف يحافظ علي المسافة الملائمة بينهما ليصير الناتج دائما إيجابيا ومتزايدا .
كانت مشكلة المهندس الشاب حديث الزواج مختلفة قليلا عن غيره ، فهو لا يعيب علي زوجته الجميلة المهذبة بنت الأصول خلقا ولا دينا ، بل يشيد بها وبتوددها الدائم له وحرصها علي إرضائه بكل الطرق الممكنة ، ويشيد أيضا بوالدها الرجل المحترم الذي أحسن تربية ابنته وتعليمها ، ولكن .... وآه من لكن هذه بعدها تأتي المشاكل .
الشاب المتدين سليل الأسرة الطيبة لا يشعر بالحب تجاه زوجته وهناك نوعا من الضيق يجثم علي صدره تجاهها دون أن يعرف له سببا ، لم يصارح زوجته بالطبع بتلك المشاعر ولكنها أحست بها ولاحظ هو ذلك من كثرة بكاءها غير المبرر ، تطورت مشاعره إلي حد التفكير الجدي في الطلاق رغم مرور خمسة شهور فقط علي زواجه ولكنه متردد لصعوبة الصدمة علي زوجته الفاضلة وأبيها بل و أهله هو أيضا ولا يعرف ماذا يفعل ؟
قد يتبادر للذهن التحامل علي الشاب واتهامه بالبطر علي ما أنعم الله به عليه من زوجة صالحة محبة وجميلة ، خاصة أن كثير من الشباب يتمني أن يرزقه الله بمثلها وييسر له العفاف ، ولكن قليلا من التروي يصل بنا إلي حقيقة ما حدث بين زوجين صغيرين لم يتم التوافق بينهما بعد .
يقبع الصياد دائما داخل نفس الرجل ، والصيد متعة في ذاته ، السمك موجود في السوق ، أما متعة الصيد فتكمن في الانتظار والترقب ، في اللهفة والفرحة الغامرة عندما تغمز الصنارة فيجذبها الصياد ليشاهد السمكة الجميلة تتمايل متلألئة تحت ضوء الشمس ، عندما تمت الأمور للمهندس الشاب بسلاسة دون عقبات أو مشاكل لم يشعر بقيمتها مثل الطالب الذي يحصل علي الامتحان مسبقا أو المشاهد الذي يشاهد نفس الفيلم للمرة الثانية .
لا يقدم الطعام أكواما وبشكل متواصل وإلا زهدت فيه النفس وأصابها النفور من منظره ، وعلي الزوجة الصغيرة أن تبتعد قليلا حتي يراها الزوج بشكل أفضل ، وفكرة التلازم بين الزوجين تطبقها بعض الفتيات الطيبات بشكل خانق يؤدي لنتيجة عكسية ، لكل إنسان مجاله الحيوي الذي يحب أن يتحرك فيه بحرية ومع نفسه ، فليكن لها هي أيضا مجالات للحركة بعيدا عن الزوج ، تمارس هواياتها أو تشغل نفسها باهتماماتها أيا كانت .
الوضع الطبيعي أن يبحث الرجل عن المرأة وليس العكس ، وبالمناسبة أتذكر حلقة من برنامج ( العلم و الإيمان ) للراحل الكبير ( د. مصطفي محمود ) كانت عن العقارب ،كان الذكر يقوم بطقوس الزواج الراقصة والتي يختمها بسحب الأنثي ـ بعد موافقتها ـ لعش الزوجية ، والغريب أن هناك أنثي تعجلت الأمر وسحبت هي الذكر فلدغها لدغة مميتة لأنها أفسدت الطقوس !!!
لايختلف الرجال كثيرا والدليل تغنيهم قديما وحديثا شعرا ونثرا بالأشواك التي تحيط بالورد والتي من أجلها أحبوا الورد رغم تحملهم لآلام الوخز والجرح حتي يفوزوا أخيرا بالوردة الجميلة ، ( روميو وجولييت ) و ( قيس وليلي ) وكل قصص الحب الشهيرة خلدتها المصاعب والموانع ، ولو تم الزواج الميسر بين طرفيها لما سمعنا بها وربما اشتكي أبطالها من الملل الزوجي .
مشكلة المهنس الشاب أنه قد حصل علي الوردة بلا شوك وبسهولة ويسر ، كما أن حياته معها عسلا دائما حتي جزعت نفسه وأصابه الملل والزهق ولم يعد يشعر بأي جمال أو حلاوة في حياته كلها .
دائما تركز الوصايا للمقبلات علي الزواج علي (فن الحضور) في حياة الزوج حتي تصورت الفتيات أن معني الزواج هو أن تكون مثل ظله ، وهذا خطأ فادح ، يقول الأديب الفرنسي ( ستاندال ) في كتابه الشهير ( في وصف الحب ) أن مرحلته الأولي هي ( الاصطدام ) بفعل الإعجاب ثم يحذر من أن يعقب هذا التلازم المستمر لأنه يفضح عيوب الطرفين ويؤدي للزهد ولتهاوي العلاقة الوليدة ، ويقول أن المرحلة هي ( الغياب ) والغياب أيضا فن إذ أنه يساعد علي تبلور الحب وتمكنه ، وبعد ذلك تظل العلاقة دائما تتراوح بين ( الحضور ) و ( الغياب ) في الوقت المناسب .
وفي آيات الكون لنا مثال يأتي النهار بشمسه الساطعة يعقبه الليل بظلامه الدامس ويتعاقب الصيف والشتاء والمد والجزر ولو دام الحال علي منوال واحد لاختل التوازن وتوقفت الحياة ،( فن الغياب) هو حساسية الانسحاب قبل الملل ،هو ترك مساحة لحرية الطرف الآخر،هو الانشغال بالنافع المفيد حتي يأتي الوقت المناسب للتقارب مرة أخري ، وهكذا كما يقول علم النفس الحديث ( علي المرأة أن تكون مثل بندول الساعة فهي تتحرك يمينا في اتجاه العطاء ثم يسارا لممارسة أنشطتها الخاصة التي تقويها قبل أن تعود لليمين مرة أخري) .
اللوحة الجميلة لا نراها جيدا إلا لو ابتعدنا عنها بقدر يسمح بالرؤية الكلية أما الاقتراب الشديد فهو يشوش الرؤية ويجعلها سيئة ، والزواج الناجح ليس رابطة خانقة لا تسمح حتي بالتنفس أو الحركة ، ولكنه اثنان ناجحان مستقلان ،لدي كل منهما ما يشغله ، يتم بينهما التعاون والمساندة لتكون حياة كل منهما أفضل من ذي قبل ، المعادلة الصحيحة للزواج ليست واحد بجانبه صفر علي الشمال لا قيمة له يتحول لعبء من الأفضل التخلص منه أو تجاهله ، بل هي واحد بجواره واحد صحيح يساوي اثنان يعرف كل منهما كيف يحافظ علي المسافة الملائمة بينهما ليصير الناتج دائما إيجابيا ومتزايدا .