صناعة الجمال ـ إيمان القدوسي
الوجه الحسن هو أفضل بطاقة تعارف تقدم صاحبه للناس وحب الجمال من البديهيات المركوزة في نفوس البشر ، وعندما ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسباب التي تدعو لاختيار الزوجة ذكر في مقدمتها ( جمالها )
جمال المرأة تحديدا من المحاور الرئيسية الدافعة لسلوك البشر ، تغنى به الشعراء ، ورسمته ريشة الفنان ، وقامت بسببه صراعات ونزاعات وحروب ، والمرأة تعرف ذلك جيدا وتقدره ، وأشد ما يسعدها أن يقال عنها حسناء ولو كان خداعا !!
يقول أمير الشعراء
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
ومنذ القدم فطن التجار لأهمية الجمال والتجميل بالنسبة للمرأة التي وصفها المولي عز و جل بقوله ( أو من ينشأ في الحلية ) ( الآية 18 الزخرف )
وقامت صناعات كثيرة لاستثمار هذا الاهتمام ، منها صناعة مساحيق التجميل والأزياء وتصفيف الشعر وغيرها ، وتعبر رسوم الفراعنة عن ولع المرأة بذلك منذ تلك العصور القديمة .
ولكن صناعة الجمال في العصر الحديث تخطت كل الحدود وفاقت كل التصورات ، فلم يعد الأمر قاصرا علي ارتداء الحلي والملابس وبعض الزينة ، ولكنها صارت صناعة حقيقية ، تجعل القبيحة جميلة وتعيد العجوز صبية ، فقد تطورت جراحات التجميل بشكل مذهل ، وصار بإمكانها إعادة تصميم الوجه الإنساني وإضفاء درجة عالية من التناسق والجاذبية عليه ، وهكذا امتلأت الدنيا بالنجمات فائقات الجمال ، حيث تبدو الواحدة منهن أجمل من رسم الفنان وأفضل من خيال الشاعر وأكثر شبابا وحيوية من أحفادها !!
قد يكون هذا الأمر ليس من شأننا ولا يدخل في صميم اهتمامنا ، ولكن الحقيقة أنه في عصر الإعلام الفضائي الذي جعل الدنيا كلها قرية صغيرة ، لم يعد ممكنا أن نقول هذا لا يعنينا لأن كل ظاهرة لها تداعيات مباشرة وغير مباشرة وإن بعدت بيننا وبينها المسافات .
فمن تداعيات ظاهرة ( صناعة الجمال ) أن ارتفع سقف ومعيار الجمال وأصبحت غالبية النساء دونه ، بالنسبة للفتيات يقلل ذلك فرصتهن للزواج وبالنسبة للمتزوجات يكون هذا النموذج حائلا دون الانسجام الحقيقي بين الزوجين ، فالرجل يريد نفس النموذج الذي يراه ، ولذلك نلاحظ تزايد الإصرار علي شرط الجمال بين الشباب وبين الرجال الذين يريدون الزواج مرة ثانية .
نلاحظ أيضا بالنسبة للمرأة أنها صارت أكثر إقبالا علي التجميل والتجمل بشكل غير مسبوق لأنها تريد أن تحرز مكانا مناسبا في هذا السباق المحموم ، بل إن النساء الثريات يسرن علي خطي نجوم الإعلام في إجراء جراحات التجميل وتغيير خلق الله والبحث عن استعادة الشباب الضائع .
اتسع المجال أمام التجار للمتاجرة بأحلام البسطاء ، فلا تكف الإعلانات عن الكريم الذي يجعل السمراء شقراء ، والصابون الذي يحول الشعر الخشن إلي نعومة الحرير وغير ذلك مما لاحصر له من برامج وإعلانات ومجلات تحاصر الفتاة البسيطة والمرأة الكادحة وتستنزف قروشها القليلة جريا وراء وهم الحصول علي الجمال الزائف .
قال أحد الشباب الذي تزوج شمطاء متصابية شهيرة ( غرني شكلها الخارجي الرائع ولكن حين عشت معها وجدتها أولا وأخيرا امرأة عجوز ) وهذا بديهي فلو صبغنا الشعر والوجه وأخفينا آثار السنين فكيف يمكن أن نعيد للمفاصل والعظام والقلب والأحشاء شبابها ؟ وكيف يمكن أن نعيد للعين لمعتها ؟ وللروح دهشتها الأولي ؟ وللنفس براءتها وغفلتها وشغفها بالجديد ؟
ليس الشباب فقط هو الذي لا يعوض ولكن أيضا الإحساس ( بالتفرد ) التفرد أن يكون لي شكلي الخاص بي وحدي ولا يشبه أحدا ، ولي شخصيتي التي أبنيها وفقا لعقيدتي ، ولي أسلوبي الناجح في إدارة حياتي بشكل يجذب اهتمام شريكي لإعجابه بكل تلك المقومات وليس للشكل فقط ، وفي هذا الصدد يمكننا أن نزعم أن كل النساء جميلات بشكل ما .
أجمل الوجوه هو وجه امرأة نقية الفطرة ، صادقة في التعبير عن نفسها ، واثقة في تميزها وتفردها بما حباها الله من أسرار الجمال الطبيعي التي لا تمنح إلا لمثلها من البسطاء ، والتي تغيب تماما عن تلك الوجوه المصبوغة المصنوعة ، وجه حقيقي لا يشبه وجوه التماثيل ولا يفتقد اللمسة الإنسانية ويمكنك بسهولة أن تتواصل معه وتحبه وكأنك تنظر في المرآة .