ست البيت ـ إيمان القدوسي
( امشي عدل يا شيماء )
جملة أثارت أعصاب الدكتورة ( هدي ) وجعلتها ترفع يدها عن الطعام وتنظر لأمها المسنة نظرة لوم وعتاب ، ولكنها لم تشأ أن تتكلم في حضور زوجها الدكتور ( حازم ) وطفليها .
تحدت أمها نظرتها وهي تتمتم بصوت خفيض ( بنات عايزه قطم رقبتها )
عندما جلست ( هدي ) مع أمها في هدوء المغربية ولطف هواء البلكونة البحري وبعد أن وضعت ( شيماء ) الشاي لهما وانصرفت ، قالت ( هدي ) بلطف ( لم أعهد منك يا أمي القسوة علي الشغالة ، أليست هذه شيماء ابنة اعتماد التي كانت مساعدتك وموضع سرك ؟ )
ردت الأم ( هذا ما يصبرني عليها ، ولكن لا أحب الحال المايل )
هدي ( وماذا رأيت منها ولم يعجبك ؟ ، البنت ممتازة وشايلة البيت )
نظرت لها ساخرة ( علي كيفك ، ثم بطريقة التمتمة ألم تلاحظي مشيتها ؟ )
قالت هدي في نفسها السن له حكم ، صارت أمي تشبه جدتي رحمها الله لا يعجبها العجب .
ـ ـ ـ ـ
كانت ( هدي ) تبحث عن رقم تليفون تحتاجه بشدة ، وتذكرت أنه مسجل في الأجندة التي أعطتها لشيماء ، وجدتها في دولابها وفتحتها لتجد مفاجأة أذهلتها ( حبيبي حازم متي تشعر بي ؟ ولماذا لا تراني وأنا أمامك ؟
هذا البيت الذي تحبه هو بيتي وبيتك ، أنت رجل البيت وأنا وحدي ست البيت ،الطعام الذي تأكله من صنع يدي ، ملابسك وكتبك وكل ما يخصك أرتبه وأجهزه من أجل عيونك ، أما هدي فهي مجرد ضيفة في هذا البيت حتي الأطفال لا تعرف عنهم شيئا .......)
لم تستطع إكمال القراءة ،أغلقت المفكرة وأعادتها وهي لا تكاد تصدق أن الفتاة التي أكرمتها وعلمتها وتعاملها كأختها تخونها وتتمني مكانها .
خرجت إلي حجرة الاستقبال لتري حازم جالسا في كرسيه يتابع مباراة كرة القدم وشيماء تقدم له القهوة ، كأنها تراها للمرة الأولي ، صارت فتاة ناضجة ،مهتمة بنفسها وحريصة علي مظهرها ،أدهشتها نظرة عينيها وابتسامتها وهي تضع القهوة وعندما استدارت عائدة للمطبخ كادت تصرخ فيها ( امشي عدل يا شيماء )
ـ ـ ـ
ذهبت لشيماء في حجرتها وقالت وهي تنظر لها نظرة نافذة ( أريد المفكرة الحمراء كنت منذ قليل أبحث عنها في دولابك )
قالت الفتاة بذعر ( وهل وجدتيها ؟ )
قالت هدي ( وهل هذا البيت بيتي حتى أعثر فيه علي شئ ؟ البركة فيك )
قالت الفتاة وقد غاض لونها تماما ( العفو يا دكتورة ، حضرتك ارتاحي وسوف أحضرها لك حالا )
جلست هدي بجوار زوجها وبعد قليل أحضرت الفتاة المفكرة بعد أن مزقت الورقة التي تدينها ، أخذتها هدي قلبت أوراقها قليلا وألقت بها في سلة المهملات .
ـ ـ ـ ـ
لم تنم هدي ليلتها كانت تردد لنفسها البنت عندها حق ، البنت عندها حق .
لم يعد لي وجود في بيتي ، مهما غبت لا يفتقدني أحد ، حتي علاقتي بزوجي وأطفالي صارت واهية ، ابتلعتني دوامة العمل ليل نهار .
في الصباح كانت قد اتخذت اجراءات جديدة ، استقالت من المستشفي واكتفت بعيادتها الخاصة ، وافقت علي مشاركة زميلتها الدكتورة وفاء في العيادة فصار عملها ثلاثة أيام فقط في الأسبوع ،وبدأت تعيد دمج نفسها في نسيج أسرتها ، لم تكن عودتها للمطبخ سهلة لكنها ممتعة ،كانت تشعر برضا داخلي لا يقل أبدا عن نجاحها المهني حين تسمع ثناء زوجها وأسرتها علي الطعام ، أعادت ترتيب بيتها بذوقها الخاص وأضفت عليه لمساتها ، كانت كلمات بسيطة مثل ( تسلم إيديك ) و ( ذوقك رائع ) تجعلها تشعر أن صفقتها رابحة ، عرفت دفء متابعة الأطفال أثناء المذاكرة واللعب ، ومتعة الاستماع لحكاياتهم الساذجة البريئة ، حتي جلسة البلكونة مع والدتها صارت تشعرها باستعادة أيام الصبا ، ولأول مرة منذ سنوات خرجت مع زوجها للنزهة دون ضغوط أو مواعيد أو إرهاق .
كانت الفتاة تشعر بالخجل الشديد وإذا رفعت عينيها في وجه هدي لمحت فيهم لمعة الاعتذار ، لكن هدي تجاهلتها لأنها تعرف أن ما كتبته شطحات مراهقة ، جاءت أم الفتاة تستشير والدة هدي في عريس تقدم لابنتها وهي تقول : ( أعرف أن الدكتورة لا تستغني عنها وأن مشاغلها كثيرة ومستعدة للحضور بدلا منها )
قالت الأم بفخر واعتزاز ( الدكتورة مهما كانت مشاغلها إلا أنها أولا وأخيرا ست البيت ، خذي ابنتك معك يا اعتماد لتستعد للزواج ، وتعالي مكانها يومين فقط في الأسبوع كما كان النظام سابقا )