مشروع صداقة ـ إيمان القدوسي
ما إن دخلت السيدة من باب البنك حتي لفتها نسائم الهواء المكيف التي رحمتها من لهيب قيظ أغسطس ، تسلمت كارت السحب فوجدت مكتوبا فيه ( في الانتظار 71 ) تنهدت محبطة وتلفتت حولها فلم تعثر علي أية مقاعد خالية ، تجولت قليلا ، قام رجل أسرعت بالجلوس مكانه ، مدت يدها لحقيبتها تأخذ منديلا تجفف عرقها ، فوجئت بحركة من جارتها ،اكتشفت أنها كادت تمد يدها في حقيبتها ، غمغمت معتذرة فابتسمت لها السيدة بلطف .
قالت السيدة الأولي : معذرة ، هناك تشابه شديد بين الحقيبتين ، تعرفي كنت حائرة في محل الحقائب أيهما أختار ، وظللت أفاضل بينهما وقتا طويلا حتي تذمر زوجي بشدة وقال : ما الفرق ؟ قلت له : درجة اللون .
ضحكت بصوت خافت هامسة : لا يفهم الرجال هذه الأمور ولا يقدرونها .
قالت الثانية : لم أقع في هذه الحيرة لأنها هدية من زوجي .
قالت الأولي : رائع ، زوجك لديه ذوق عالي ، يفهم جيدا في شئون الحريم .
ــ ـ ـ ـ
انساب الحديث رقراقا صافيا بينهما حتي يخيل لمن يراهما أن بينهما عشرة طويلة أو صداقة قديمة ، كانت الأولي قوية مندفعة حازمة وعملية لكنها طيبة صافية النية ، أما الثانية فكانت هادئة رقيقة أكثر عمقا وأرقي تعليما يشوبها شئ من الحزن والأسي رغم حرصها علي ابتسامتها المعلقة بين شفتيها .
لم يشعرا بمرور الوقت ، وكعادة النساء يكون الرجل موضوعهم المفضل إذا كان غائبا ، بعد مقارنات ومواقف عديدة روتها كل منهما عن زوجها .
قالت الأولي : واضح أن طباع زوجك تختلف تماما عن زوجي ، بل هو نقيضه ، وخاصة في مسألة رغبته الدائمة في البقاء في البيت هذه ،ولكن دائما تقولين عندما يأتي ، هل هو مسافر ؟
قالت الثانية : لا ليس مسافرا ، كثيرا ما يكون في بيته الأول ، فأنا .. الثانية .
تغير وجه السيدة الأولي وظهرت عليه علامات الدهشة ، بدا أن الثانية قد اعتادت رد الفعل ، فلم تفعل أكثر من التلاعب قليلا بابتسامتها ، سيطرت الأولي علي انفعالها وقالت بتلقائية : لم أكن أتوقع .
قالت الثانية : ولا أنا أيضا ، لم أتخيل أبدا أن أكون في هذا الوضع ، ولكن تعرفين تدور بنا الظروف وتجري علينا المقادير حتي نستقر في حال لم يكن في الحسبان ، الغريب أننا نرضي ونتكيف ونلتمس لنفسنا أعذارا كنا نضن بها علي غيرنا .
قالت الأولي وقد سري التعاطف في نفسها : لاعليك ، إنها أقدار كما قلت ، ثم إنك لم تفعلي جرما ولم ترتكبي إثما ، نظرة الناس غالبا تكون ظالمة .
ـ ـ ـ ـ
أنهت السيدتين معاملتهما في البنك وفجأة رن تليفون الأولي ( حسين أنا خارجة حالا ، هل وصلت فعلا ، دقيقة واحدة )
قالت للثانية ( هيا نوصلك في طريقنا ) شكرتها وخرجت معها ، وما إن لمحت السيارة والرجل الذي نزل منها ، حتي تراجعت مصعوقة داخل البنك ،وهي تهمس ( لا يمكن ، هذا لا يحدث إلا في الأفلام )
اندفعت السيدة الأولي تجاه زوجها : حسين أريد أن أعرفك ب .. ، نظرت خلفها لم تري أحدا .
تعجلها زوجها : هيا بسرعة لدي مواعيد ، وانطلق بالسيارة .
رن تليفونه ( أهلا عصمت بك ، برافو حركة انسحابك أمام الخصم كانت ممتازة ، أنت تعرف يعجبني فيك ثباتك الانفعالي ، سوف أحضر لتناول العشاء معك الليلة ونناقش كل شئ )
قالت السيدة الأولي ( لماذا تعجلت ، كنت أريد أن أعرفك علي سيدة رائعة قابلتها اليوم ، تعرف كان من الممكن أن تكون صديقتي ، لولا أنني قلقت منها لأنها زوجة ثانية )